رأي حر

حكي تنور .. رماد مجهول الهوية (بقلم عمر سعيد)

إلى اليوم لا زلت لا أعلم، مكونات الرماد.
فعلى الرغم من معرفتي بأن الرماد هو جسد النار إذا فارقه اللهب.
يبقى السؤال: مم يتكون الرماد؟!
لأن الرماد كائن غير قابل للاشتعال، وهذا أعمق أسراره..
كالنار إذا استعرت، تصبح غير قابلة للاشتعال، فهي مشتعلة حكماً، وما جدوى اشتعال المشتعل؟!

ولأنه كائن مبهم، وعلى الأقل من قبلي أنا، ولا أظن أن دراسة علمية قد تناولت هذا العنصر..
وعلى الرغم من أنه نفايات، ولا أعرف إن كان يصنف ضمن النفايات العضوية.
غير أنه نفايات لم تخضع للتدوير حتى الآن، والأبرز أن أهل القرى يسمون الرماد: صفوة.

لكن اللافت في الأمر، أن أهل التنور، كانوا يجمعون الرماد بكميات، ويوزعونه على أعقاب الأشجار في البساتين، ثم يجلسون ليتندروا في فوائد مركب لا هوية له!
ومنذ متى كان للرماد فوائد زراعية؟! وهو أشجار استحطبت، فتخشبت، ثم أحرقت، حتى غدت رماداً.

وكل ما تلتهمه النار من كائنات حية، لا تذر منه شيئاً.
حتى الصخر إذا ما التهمته النار فَقَد تماسكه، وتحول إلى كتلة هشة، تتفتت عند أول طرقة شاكوش.
فمن أين أتى إيمان مجتمعات التنور بالرماد؟!

لعل مرده إلى أنها رغم أنها ترمدت بفعل تفكيرها الرتيب، إلا أنها لا زالت تؤمن بغيبيات تقول بإحياء العظام وهي رميم، والرميم هو رماد العظام، لكن هذه الغيبية مشيئة أبعد من طاقات مجتمعات التنور.

وإن كان في رماد النار جدوى، فما الجدوى المرتجاة من إحياء رماد عقول لا شيء فيها أكثر من رماد؟!

عرفت أربعة استخدامات للرماد على مر مشاهداتي، ليس أكثر:
فنساء القرية استخدمنه في تنظيف أواني الطبخ النحاسية، خاصة البيضاء منها.
وعند تصنيع الزبيب، يغطس العنب بمغلي الماء والرماد لفترة عشرة دقائق، قبل نشره فوق الأسطح، على اعتقاد إنه طارد للحشرات، ومن هنا اكتسب صفته كصفوة.
ورأيت أحمرة الريف صيفاً، تتمدد فوقه، وتمرغ جسدها فيه، إذا سكن البرغوث جلدها.
وقد سمعت المَثل الذي يضرب في تظليل الناس عن الحقيقة ” كذر الرماد في العيون “.

وما هذه المقالة كلها إلا للخلاص إلى نتيجة واحدة، ألا وهي أن بقايا التنور بكل محتوياتها، كانت وستظل رماداً فوق رماد، خاصة تلك النظريات، والخطط، والنوادر، والخرافات والأوهام التي نتجت عن مخيلاتهم الرمادية، تلك التي تنتظر قدوم السفياني، والأعور الدجال، وشروق الشمس من مغرب، فتشيد من رماد هذه الانتظارات منصات، تنشد بها انتقاماً لعجزها المزمن.
فجل ما في ذاكرة هذه المجتمعات ومخيلاتها كناية عن رماد حملته إليها احتراقات الأعمار الواهمة، وما أشد هشاشة قصور شيدتها البلاهة من رص رماد الوهم فوق بعضه البعض، والتخلي عن مسؤوليات المحاولة، وانتظار انهيار شامل، يخلص العاجزين بتدمير كل شيء، للا شيء!
فأخطر ما في الرماد أنه كائن مجهول الهوية!
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى