تحت المجهر

شراكة الحريري – باسيل المستدامة: نفاق واعتناق

كتب موقع “اللبنانية”

يخطئ من يظن ان بين الرئيس سعد الحريري زعيم تيار “المستقبل” والنائب جبران باسيل رئيس “التيار الوطني الحر” ما صنعه الحداد، من عداوة وبغضاء سياسية او شخصية، لأنهما لم يكونا يوما متباعدين اصلاً حتى قبل التسوية الرئاسية الشهيرة التي جاءت في خريف 2016 بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية وبالحريري الى رئاسة الحكومة، وقد كان الاخير وباسيل عرابي هذه التسوية وصانعيها في مفاوضات تنقلت بين بيروت وباريس التي كان الحريري يقيم فيها لسنوات بعد خروجه من رئاسة الحكومة خريف العام 2010.
ومع مرور الايام تبين ان هذه التسوية الرئاسية غير المكتوبة لم يكن هدفها وحدودها فقط ايصال عون الى رئاسة الجمهورية والحريري الى السراي الحكومي فقط، وانما كانت الغاية البعيدة منها نسج اتفاق مستدام يستمر الى ما بعد انتهاء ولاية عون يقضي بالاتيان بباسيل خليفة له في الرئاسة في ظل حكومة او حكومات يرأسها الحريري طوال “العهد الرئاسي الباسيلي”، الذي يستمر في السياسة نفسها ازاء الحليف “حزب الله” الذي تمسك بترشيح عون لأكثر من سنتين ونصف حتى أمّن وصوله الى الرئاسة.

مبعث هذا الكلام، هو ما يحاك حالياً تحضيراً لتأليف الحكومة الجديدة، حيث يثار غبار عن ان الحريري يتمسك بـ”حكومة حياديين” شرطاً لقبوله تولي رئاسة هذه الحكومة وانه مشتبك في هذا الامر مع باسيل الذي عاد الى مقولة “إما نكون في السلطة معاً وإما نكون خارجها معاً” في معرض المفاوضات الجارية لتأمين التوافق على الحكومة العتيدة رئيساً ووزراء وحجماً ومواصفات، فيما العارفون ببواطن الامور يؤكدون ان هذا الغبار مفتعل وان كل ما يحكى عن خلاف بين الرجلين هو للتعمية عن تسوية يعمل على إعدادها، والذين يشككون في صحة هذا الامر، يكذبهم نجاح رئيس مجلس النواب نبيه بري في تقريب وجهات النظر بينه وبين الحريري، حيث أن بري على تواصل شبه يومي مع عون وباسيل سواء في لقاءات معلنة وبعيدة عن الاضواء او من خلال الاتصالات وهو في الوقت نفسه على تواصل مماثل مع الحريري، ويعمل حالياً على إقناع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالقبول بتكليف الحريري، علماً ان لا أحد من القوى السياسية ولا الرأي العام يصدق ما يشاع من ان جنبلاط يعارض تكليف الحريري، فهو كان حتى اسابيع خلت يعمل لاجتذاب او استجرار دعم سياسي ومالي لرئيس تيار “المستقبل” من بعض دول الخليج العربي تمهيداً للاطاحة بحكومة الرئيس حسان دياب وتشكيل حكومة جديدة برئاسته، والجميع يذكر الحراك العنيف الذي شهده وسط بيروت في الشهرين الماضيين وما تخلله من عنف وتخريب واثارة نعرات طائفية ومذهبية وكان الهدف منه اسقاط حكومة دياب التي ما كانت لتستقيل لو لم يحصل الانفجار الزلزال في مرفأ بيروت.

ولذلك، وخلافا لكل الاقاويل والتصريحات المعاكسة لا يغالي فريق من السياسيين في القول ان الحريري هو مرشح باسيل الاساسي لرئاسة الحكومة الجديدة، على عكس ما هو شائع عن خلاف وقطيعة بينهما، علماً ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع كان كشف المستور باكراً في احدى مقابلاته الصحافية قبل شهرونصف شهر حيث اكد ان لا خلاف فعلياً او جوهرياً بين الحريري وباسيل، وان الحريري يعمل للعودة الى رئاسة الحكومة بالتفاهم مع باسيل من جهة ومتكئاً على تأييد “الثنائي الشيعي” لهر من جهة ثانية، فضلاً عن أن جنبلاط مهما ابتعد فإن بري يستطيع اقناعه واجتذابه الى “الجادة الحريرية” مقدماً له “لبن العصفور” كذلك الذي يقدمه الحريري الآن ويعمل على اقناع الجميع بجدوى عودته الى رئاسة الحكومة غير متوقف عند اعتراض الشارع عليه وكذلك اعتراضه على تجاهل المؤسسات ومخالفة النصوص الدستورية التي ترعى عملية اختيار رئيس الحكومة العتيد وتحديد طبيعة هذه الحكومة حجماً ومواصفات.

والواقع ان العلاقة بين الحريري وباسيل هي عميقة الى درجة لا يمكن انفكاكها فـ”البيزنس” شغال بينهما منذ سنين وسنين ويكاد يطغى على السياسي، واحيانا يفتعلان الخلاف السياسي بينهما للتغطية على الصفقات التي يعقدها بالتكافل والتضامن من بواخر الكهرباء الى الشركات النفطية الى شركات التطوير العقاري وغيرها فكأنهما “يحوشان قرشهما الابيض ليومهما الأسود” لاستخدامه في سبيل الوصول خريف 2022 الى “معادلة باسيل في قصر بعبدا مقابل الحريري في السراي الحكومي”. ولكن قد تكون “مفاجأة الموسم” القريبة ظهور علاقة لهما، او لاحدهما بالباخرة التي كانت تنقل نيترات الامونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت، حيث ظهرت في التحقيقات الجارية حتى الآن في هذه القضية بعض الخيوط الدالة الى ضلوع احدهما في هذه القضية التي يرجح ان تتحول الى رأس جبل جليد بدأ يذوب ليظهر ما تحته، وقد سجل في الايام المنصرمة تعرض بعض القضاة المعنيين للتهديد بالويل والثبور وعظائم الامور ان حاولوا توجيه التحقيقات في اتجاه اي منهما.

وثمة من يعتقد ان الحريري وباسيل يلعبان اوراقهما الاخيرة فكلاهما وصل الى حائط مسدود، الحريري ادرك بالملوس ان حظوظه العودة الى السراي الحكومي منعدمة خليجيا وغربيا وان الدول الغربية تحمله مسؤولية الانهيار الذي اصاب لبنان وذلك عدم تنفيذ حكومته قبل سنتين الاصلاحات التي طلبتها الدول المانحة في “سيدر” شرطا لتنفيذ قرارت الدعم المالي للبنان. اما باسيل فإن كل الطبقة السياسية الحليف منه له او الخصم تحمله المسؤولية عن فشل عهد الرئيس ميشال عون وكذلك تحمله مسؤولية الهدر المتمادي في كهرباء لبنان والذي يشكل احد الاسباب الرئيسية للإنهيار المالي والفساد ولعدول الدول عن تقديم الدعم للبنان,

وفي المحصلة ورغم “لبن العصفور” الذي يقدمه بري لهما هذه الايام لا الحريري سيعود الى السراي الحكومي ولا باسيل سيصل الى قصر بعبدا واذا كان فاقد الشيء لا يعطيه، فان كلاهما لم يعد لديهما اي شيء يعطيانه، ولكنهما يكابران ويرفضان الاعتراف بالحقيقة.. فإلى متى؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى