لبنان

أيار 2013-أيار 2020: خرافات باسيل وأوهام دياب

أيار 2020، موعد تحقيق أحلام جبران باسيل بلبنان الجديد. أحلام كانت قد أنتجتها وزارة الطاقة في قصة مصوّرة، بطلاها الوزير الوصيّ على “الطاقة” حينها، جبران باسيل ونجله الافتراضي. رحلة في المترو من محطة البترون، وأخرى بحرية لمعاينة محطات التنقيب عن النفط وتكرير مياه الصرف الصحي. شواطئ عامة من دون مخالفات ولا تعديات. سدّ جنّة يمدّ لبنان وقبرص بالمياه. مطمر نفايات الكرنتينا منتزهاً ومرفأ سياحياً. سكان الذوق بصحة أفضل بعد وقف انبعاثات المعمل. حقل شمسي للطاقة، ومشاريع ومترويات وازدهار. هذا ما وعد به باسيل “نجله” في أيار 2013، آملاً منه تفّهم “السنوات التي حرم فيها من وجود والده”، وأنّ تلك السنوات “لم تذهب سدى”.

وصل الموعد، وها نحن في أيار 2020. والمقارنة بين الحلم والواقع باتت واجبة.

مشاهد الواقع
لا داعي للقول إنّ أياً من كل هذه الأحلام تحقق. ثمة “مترو” واحد في شارع الحمرا، ولا مكان غيره للسهر. الغاز مفقود من البلوك الرابع، ما تبقى من شواطئ عامة أكلتها أوساخ المجاري. سد جنّة لا يصلح، وبدل أن نمّد قبرص بالمياه أرسلنا إلى القبارصة هدايا على شكل نفايات لامست شواطئهم. معامل الطاقة مع الفيول المغشوش تحترق أجزاء منها، وصفائح الطاقة الشمسية عرضة للسرقة العامة. معمل الزوق يبث سمومه يومياً على الأهالي. وعلى الكرنتينا كوع للريحة موصوف بمعايير دولية. بدل الازدهار، فيديو لرجل وزوجته الحامل يتناولان الطعام من مستوعبات النفايات. وبدل المشاريع، خيوط من الانتظار أمام ماكينات سحب الأموال. وبدل الاستقرار، خضّات أمنية واقتصادية ونوبات هلع يومية من كل ما أنتجته السلطة.

محل للخضروات
قبل أسابيع، التقطت كاميرات مراقبة أحد محلات بيع الفواكه والخضروات مشهد إشكال بين باسيل وزوجته، السيدة شانتال عون، بعد أن باغتهما عدد من الزبائن بعبارات الاحتجاجات والسقوط السياسي والأخلاقي. بدل جولة مريحة في مترو البترون، لم يعد حتى آمناً على باسيل التجوّل بين الناس كشخص طبيعي. ليس مرحّباً به هنا، ولا هناك، ولا في أي مكان. هو رمز للعهد والحكومات، بعد أن كان رمزاً للتعطيل. وبدل أن يكون “من بين مَن جعلوا من حلمنا حقيقة”، بات عنواناً أول للـ”هيلا هو”. يحافظ على طموح الرئاسة ويغذّيه يومياً، لكنه سيبقى رمز الـ”هيلا هو”. ستلاحقه أينما حلّ ومهما طال الزمن، لعنة ووقعت عليه.

بروباغندا خبيثة
أحلام باسيل 2020 مقابل واقع اللبنانيين 2020، مواجهة تشي بالكثير. بروباغندا سياسية سقطت منذ ما قبل انهيار جدار برلين، لكن تبقى خبيثة. نسخة “كاريكاتورية” – كرتونية فعلياً لكونها تأتي في سياق قصة مصوّرة- عن القائد، الأب الأكبر، يستقبل طفلاً أو اثنين من حملة الورود. خلفه شمس الأمة التي لا تغيب، ومن حوله جماهير تمتد إلى الأفق هاتفةً “هيلا هو… جبران باسيل منحبّه”. حتى الهتاف كاريكاتوري. وهذا المشروع المصوّر من إنتاج الوزارة، من المال العام، من أموال الناس وضرائبهم. لا يمكن إلا وأنّ يذكرنا بمجلّد دولة الرئيس البروفيسور حسان دياب عن إنجازاته في وزارة التربية.

كذب وأوهام
وعد باسيل نجله، ومن خلاله اللبنانيين، بلبنان بلداً مستقراً ومزدهراً. وإذ جاءنا الإفلاس المالي والانهيار الاقتصادي التام. كذب باسيل على ابنه. كذب على أنصاره. كذب على اللبنانيين. كذب على نفسه، أو أنه لم يفعل الأمر الأخير. فلا وقت لديه ليضيعه أمام المرآة. مشاغله كثيرة ولا يبيع نفسه الأوهام. يعدّ بتصوّر وتصميم الوعود، يوضّبها، ويرخي حبلها لترتفع في السماء. فيراها كل اللبنانيين نجمة مضيئة من الفشل والتحايل. مضيئة، تماماً كمواقف رئيس وتكتّل يدعوان اللبنانيين إلى الهجرة.
لم يباغتنا الإفلاس، ولا الانهيار جاءنا من الخلف. بل كنا بانتظارهما، وتفاجأنا لتأخرّهما على الموعد. انتظرنا الانهيار فيما باسيل، وحلفاؤه وخصومه، يتقاتلون على منصب. انتظرنا الإفلاس بينما باسيل، وحلفاء خصومه وخصوم حلفائه، يشرفون على بيع آخر ورقة منتجة في الاقتصاد اللبناني ورهننا جميعاً لبنوك دولية وقروض فاشلة مسبقاً.

واليوم في قصة مصوّرة أخرى، لا بد أن تصدر في مجلّد سميك أيضاً، يعد رئيس الحكومة حسان دياب اللبنانيين بأنه “نستطيع اليوم أن نبني معاً لبنان الجديد، على قدر أحلامكم، وعلى قدر آمالكم”. أيار 2020، موعد فضح أحلام مزيّفة بواقع مرّ. باسيل كذب علينا بعد أن باعنا الأوهام والتعطيل والمحاصصة. لكن يطلّ من خلفه رجل آخر ليطلق وهماً بطعم أمرّ، اسمه “أحلام اللبنانيين”. كذبة أخرى لن نصدّقها لأنّ ثمن هذا الدجل دم شراييننا وما تبقى من نقود معدنية في جيوبنا.

المصدر: نادر فوز – المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى