تحت المجهر

محكمة أميركية تطلب الاستماع لباسيل وجريصاتي بقضية خطف وتعذيب زوجين لبنانيين

طلبت محكمة أميركية من القضاء اللبناني تسليم أوراق قانونية- “محضر دعوى” – ضد اثنين من كبار السياسيين اللبنانيين، النائب جبران باسيل والوزير السابق سليم جريصاتي، في مسعى لإلزامهما بالرد على اتهامات بتدبير عملية خطف وتعذيب لزوجين لبنانيين- أميركيين.

إيلي سماحة، مواطن لبناني- أميركي، وزوجته لارا سماحة، التي تحمل البطاقة الخضراء (غرين كارد) الأميركية، يقاضيان سياسيين لبنانيين هما جبران باسيل وسليم جريصاتي و8 آخرين، بينهم ثلاثة من أفراد الأسرة وقضاة ومحامون، نتيجة نزاع عائلي على الأرض وأموال يقول الزوجان إنها نهبت منهما.

وعلى رغم الأدلة التي تشير إلى أن كبار السياسيين اللبنانيين، كانوا على علم بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت والمخاطر التي تشكلها والتي تسببت في الانفجار المدمر، إلا أن أحداً لم يحاسَب حتى الآن. طرح ذلك المزيد من الشكوك حول القضاء اللبناني، إذ أشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى وجود تدخل سياسي فيه و”انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة”، ودعت إلى “إجراء تحقيق دولي مستقل”.

سلمت السفارة الأميركية في بيروت في 17 أيار/ مايو الماضي إلى وزارة الخارجية اللبنانية نسخة من الشكوى المدنية التكميلية المسجلة لدى محكمة أميركية فيدرالية في جنوب فلوريدا في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وفقاً لمستند رسمي حصل عليه “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” OCCRP. الشكوى رفعت ضد النائب جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني السابق الذي هو أيضاً صهر الرئيس ميشال عون، والمحامي سليم جريصاتي، المستشار الرئاسي ووزير العدل السابق.

بدأت معاناة الزوجين عام 2015، إذ أفادا في دعوى قضائية رفعت في بيروت بأن أفراداً من أسرتهما وضعوا يدهم على ملايين الدولارات من حصة لارا في الميراث. وبينما كانت القضية لا تزال منظورة في المحاكم اللبنانية وإن شابها التأخير، رفع الزوجان سماحة دعوى قضائية موازية في الولايات المتحدة في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، كضغط إضافي لاستعادة الميراث.

مع تقدم إجراءات التقاضي، زار الزوجان لبنان عام 2019 على أمل تسوية الخلاف، وقالت لارا إن “اجتماع التسوية كان فخاً لحملي على التنازل عن القضيتين”.

وأوضحت أنهما تعرضا للاحتجاز والسجن، لارا لمدة 11 يوماً وإيلي لمدة 9 أيام، من ضمنها فترة أمضياها في سجن عسكري تحت الأرض وتم حرمانهما الطعام والدواء والضوء. إلا أن ضابط أمن لبنانياً كبيراً تحدث إلى OCCRP شريطة عدم الكشف عن هويته بحكم أن الموضوع متعلق بقضية منظورة حالياً في المحاكم، أكد أن الزوجين لم يتعرضا للتعذيب.

ولضمان إطلاق سراحهما، قال الزوجان إنه تم إجبارهما على سحب الدعاوى القضائية في أميركا ولبنان. وقالت لارا إن دعوى الميراث التي رفعتها في بيروت تم سحبها من دون موافقتها من قبل محاميها اللبناني ماجد بويز الذي وقع نيابة عنها.

وبويز أيضاً هو أحد المدعى عليهم حالياً في القضية المدنية الأميركية.
في هذا الإطار، أوضحت لارا أن اقتراح اسم المحامي بويز حصل خلال زيارتها زوجة النائب جبران باسيل، شانتال (والدتها أحد أقارب أبناء عمومة لارا من جهة الأب). وتبيّن لها لاحقاً أن بويز هو المحامي الرئيسي لباسيل و”التيار الوطني الحر”، وقد استعمل التوكيل الذي حررته له لمصلحة خصومها في الدعوى من دون أن تعلم، كما تقول.

رسالة معبأة في زجاجات
تكشف رسائل “واتساب” من الوقت المذكور (نيسان/ أبريل 2019)، والتي اطلع عليها OCCRP، عن اتصالات تتسم بالذعر بين محامي الزوجين المقيم في الولايات المتحدة وبويز، المحامي اللبناني الذي يتهمه الزوجان سماحة الآن بالمساعدة في تنسيق احتجازهما.

كتب لورن بيركلي، محامي الزوجين الأميركي في ذلك الوقت إلى بويز من ميامي في 3 نيسان 2019، أي أثناء احتجاز لارا: “سنتنازل عن الدعوى القضائية بمجرد أن أعرف أن لارا حرة وآمنة. وأقترح إطلاق سراحها وإحضارها إلى سفارة الولايات المتحدة. بهذه الطريقة أعرف على وجه اليقين أنها في أمان”.

لكن مع مرور الأيام، ظل الزوجان رهن الاحتجاز حتى بعدما لبى محاميهما مطالب المسؤولين اللبنانيين بسحب القضية الأميركية.

“لماذا لا يتم إطلاق سراحهما؟” أصر بيركلي في 9 نيسان.

“مرحبا. هل هناك أي جديد؟” سأل في اليوم التالي عندما لم يتلق أي إجابة.

وفي نهاية المطاف، تم الإفراج عن الزوجين سماحة في 11 نيسان بعد دفع كفالة قدرها 3 ملايين ليرة لبنانية، أو نحو 1800 دولار حينها – لارا دفعت مليوني ليرة وايلي مليون ليرة.

وعند عودتهما إلى ميامي رفعا دعوى مدنية مكملة سلمت للخارجية اللبنانية راهناً

حذر مسؤول لبناني كبير على دراية بقضية سماحة الجارية في الولايات المتحدة وقبلها في لبنان من أن القصة قد تكون لها تداعيات طويلة الأمد. وقد يؤدي ذلك إلى فرض عقوبات أميركية على شخصيات أخرى بموجب قانون ماغنيتسكي.

وقال المسؤول لـOCCRP دون الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام: “ما حدث هو فضيحة للقضاء في لبنان. إنه أسوأ من غسيل الأموال. إذا كان القضاء فاسداً، فإن كل شيء آخر فاسد”. وتابع: “أخشى أن ينتهي الأمر بفرض الولايات المتحدة عقوبات على بعض المحامين والقضاة بسبب التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان”.

وباسيل يرأس حالياً “التيار الوطني الحر”، وهو حزب مسيحي رئيسي في لبنان متحالف مع “حزب الله”. وجريصاتي هو عضو في ذات التيار ذاته الذي كان قد أسسه الرئيس عون.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت في تشرين الثاني 2020 عقوبات على باسيل بموجب شرعة حقوق الإنسان للعبه دوراً رئيسياً في الفساد في لبنان.

وكان تصريح الخزانة الأميركية أوضح أن “باسيل تورط بقضايا فساد كبيرة. حيث عزز باسيل، عام 2017، قاعدته السياسية من خلال تعيين أصدقاء في مناصب وشراء أشكال أخرى من النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية. وعام 2014، عندما كان باسيل وزيراً للطاقة، شارك في تمرير الكثير من المشاريع التي كان من شأنها وصول أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه من خلال مجموعة من الشركات الوهمية”.

لم يتم اتخاذ إجراءات مماثلة بحق جريصاتي، وهو السياسي الآخر المذكور في الدعوى المدنية، والذي قام بتعيين محامٍ في ميامي للدفاع عنه، هو ميشيل فيسانو، الذي يوضح: “هناك إمكانية لنا للدفع بأن أي مطالبات لدى المدعين ضد السيد جريصاتي يجب أن تقدم في لبنان. وإذا تم تقديم الطلب للسيد جريصاتي بشكل صحيح، فسيكون بإمكاننا أن ننظر في هذا الأمر”. وأضاف في مقابلة مع occrp: “نحن نتطلع إلى الدفاع عن السيد جريصاتي، سواء كان ذلك على أساس الاختصاص القضائي أو وفقاً للأسس الموضوعية، لأنه (موكلي) ينفي صحة هذه المزاعم”.

في غضون الأشهر القليلة المقبلة، سيكون على باسيل وجريصاتي إكمال إفادتهما الخطية والتوقيع عليها لتقديمها إلى المحكمة الأميركية. بعد ذلك، لن يتم إرسال الوثائق عبر القنوات الديبلوماسية وسيكون على السياسيين اللبنانيين التعامل مباشرة مع محكمة ميامي.

تم تقديم الطلبات في ما يُعرف بالمحاكم باسم خطاب الإنابة القضائية. وسيؤدي عدم الرد إلى تعريض الاثنين للخطر لأن القاضي الفيدرالي الأميركي يمكن أن يصدر حكماً غيابياً لمصلحة الزوجين سماحة.

ولم يرد باسيل على طلبات مباشرة للتعليق. لكن المحامي ماجد بويز قال لـ”درج” بصفته موكلاً من باسيل “لم نتبلغ أصولاً أي أوراق متعلقة بالدعوى المذكورة. وعندما يتم التبليغ سنتخذ الموقف المناسب”. ولم يعلق على الاتهامات.

وقال جريصاتي لـ”درج”، شريك occrp الإعلامي في لبنان أن القاضي الأميركي لم يراسل القضاء اللبناني بعد لتبليغه وأكد أن لا ملاحقة ولا تعذيب على الإطلاق.

وقال:” قدر السياسي في لبنان أن يتعرض لعملية تشويه، لكن الحقيقة تسطع دائماً، بخاصة إذا كان مؤمناً بأنه رجل يعمل وفق مبادئ، وقابل الأيام سيظهر الكثير الكثير من الأمور”.

وسيرسل وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب طلب الخارجية الاميركية إلى وزير العدل هنري خوري لاتخاذ إجراء بشأنه، وفقاً لما قاله مسؤول رفيع في وزارة الخارجية لـOCCRP.

وقال خوري لـ”درج”، إن الطلب سيحال بعد وصوله إليه إلى مجلس القضاء الأعلى لأنها قضية مدنية. وسيقوم المجلس بإحالته إلى محكمة حيث يقيم المدعى عليه. يمكن أن تستغرق العملية نحو ثلاثة أشهر من تاريخ استلام الإنابة القضائية.

وتوقع محامي جريصاتي جدولاً زمنياً مماثلاً.

قال فوسانو: “من المؤكد أنه إذا تم تزويد السيد جريصاتي بالوثائق، فسنلقي نظرة عليها، ونتأكد من أنها كافية من الناحية القانونية وإذا كانت كافية وتم تقديمها بشكل صحيح من خلال القنوات الدولية، فسيكون أمامه 21 يوماً لتقديم رد، وهذا ما سنفعله”. “ونحن نتطلع إلى الدفاع عن السيد جريصاتي”.

مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية رفض التعليق على أمر يتعلق بقضية قيد الاجراء القانوني. لكنه قال إن “العملية والجدول الزمني لتسليم الإنابة القضائية إلى المحكمة متروكان للحكومة المستقبلة وفقاً لإجراءاتها القضائية”.

تسمي الدعوى المدنية المكملة في أميركا شقيق لارا وشقيقتها وامها وأبناء عمتها من جهة الأب وهم أقارب زوجة الرئيس عون إضافة إلى المسؤولين وقضاة ومدعين عامين.

وقال الزوجان لـoccrp: “إن معركتنا من أجل تحقيق العدالة في لبنان وإعادة ما هو حق لنا، وهي قضية سببت لنا الأسى والحسرة، اذ واجهت جهودنا المضنية الكثير من العراقيل من قبل القضاة والسياسيين اللبنانيين الفاسدين” ، وتابعا: “ستكون عليهم مواجهة عدالة المحاكم الأميركية. ونأمل أن تكون قضيتنا خطوة نحو فرض المساءلة وأن تؤدي إلى إصلاحات من شأنها إزاحة السياسيين الفاسدين مثل باسيل من السلطة”.

المصدر: رنا صباغ وكيفن ج. هل وتوم ستوك وهادي الأمين (OCCRP) – حازم الأمين (Daraj)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى