تحت المجهر

ماكرون يعود إلى لبنان في مواجهة زعماء العشائر

بقلم جورج مالبرونو _ ترجمة صوفي شماس
31 أغسطس 2020

للمرة الثانية خلال شهر، يتوجه الرئيس الفرنسي إلى بيروت يوم الاثنين، حيث يأمل في انتزاع “حكومة تنجز المهمة” لإنقاذ البلاد.
“لن أترككم”. بعد ثلاثة أسابيع من أداء يمين الولاء للبنانيين، يعود إيمانويل ماكرون إلى بيروت. كانت زيارته الاولى في مطلع آب، بعد 48 ساعة من الانفجار المأساوي الذي أودى بحياة 190 شخصا في مرفأ العاصمة ودمّر اجزاء كاملة من المدينة، ناجحة. فوقوفه المتعمّد إلى جانب شعب مصدوم ينم عن عدم كفاءة قادته، داعيا إلى البدء في إنقاذ بلد على حافة الإفلاس.

كشف الرئيس الفرنسي لمجلة ” لوفيغارو” في نهاية زيارته الخاطفة في 6 آب، أنه هدد بفرض عقوبات على القادة السياسيين الذين يقاومون الإصلاحات و”العقد الجديد” الذي يدعو إليه في لبنان. هل سيشجع هذا التهديد عرابي نظام منهك قوّضه الفساد على التحرك أخيراً؟ تبدو رحلة الرئيس، التي تبدأ مساء الاثنين بلقاء مع أيقونة، المطربة فيروز، رحلة شاقة.

القدرة على عرقلة الإصلاحات
قال قصر الإليزيه إن فرنسا تريد “حكومة تنجز مهمة” و”حكومة نظيفة وفعالة قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يرغب فيها اللبنانيون”. إصلاح قطاعي الكهرباء والاتصالات (مضخات مالية لبعض الأطراف)، ومراجعة حسابات البنك المركزي (الصندوق الأسود للفساد)، وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي… وتمضي القائمة إلى ما هو أبعد من مكافحة الفساد – إنشاء مجلس شيوخ، والإذن بالزواج المدني – في بلد يعيش فيه نصف السكان الآن تحت خط الفقر. وبفضل الأغلبية في البرلمان، لا تزال لدى قادة الأحزاب الرئيسية القدرة على عرقلة طريق الإصلاح.

وللالتفاف على هذه العقبة – دون الرغبة في العودة إلى الميثاق الوطني لعام 1943 الذي يتقاسم السلطة بين الطوائف – فإن فكرة إيمانويل ماكرون ترتكز على “تجميد الوقت السياسي حتى الانتخابات التشريعية المقبلة، والطلب من الأحزاب التقليدية التنحي لفترة ضرورية”. والهدف من ذلك هو الحصول على “حكومة مهمة قوية، ومجموعة من التقنيين يتمتعون بصلاحيات استثنائية يفوضها لهم البرلمان، من أجل منحها الوقت لإجراء الإصلاحات ومن ثم تحقيق انتصار انتخابي”.
وسيكون هذا هو الهدف من اجتماع مساء الثلاثاء في مقر إقامته في قصر الصنوبر مع قادة هذه الأحزاب الرئيسية التي سبق أن حذرهم ماكرون في اجتماع 6 آب بأنهم في قاع الهاوية، وبأنه قد لا يعود، وبالتالي، ليس لدى القادة اللبنانيين الخيار، فهم سيغرقون مع التايتانيك، إن لم يوافقوا على أخذ المبادرة.

ضغط متعدد الأوجه
أدرك قادة الأحزاب أن يمين الولاء الذي أدى به إيمانويل ماكرون كان ذو حدين: ودي، إنما مخيف أيضاً. وقال رئيس الدولة مساء اول زيارة له الى بيروت “نعم، نحن نفكر في فرض عقوبات، لكن علينا ان نفعل ذلك مع الأميركيين لجعلها فعالة”. إن شهر سلاح العقوبات جعل الكثير من السياسيين يرتعدون وقد أصيبوا بصدمة. في الواقع، كان ماكرون قد بدأ بالفعل العمل مع دونالد ترامب على نظام عقوبات وأعدّ لائحة تتضمن أسماء.

بعد أيام قليلة من اتصال رئيس الجمهورية الفرنسي بدونالد ترامب، في أعقاب زيارته الأولى إلى لبنان، زار مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد هيل بيروت في 13 آب، وكانت زيارته جزءا من عملية تنقية العقوبات التي سيتم فرضها. نعم، ولكن أي منها؟ يوصي أحد الخبراء في الملف بأن “القائمة الأولى يجب أن تتضمن أسماء من جميع الأديان والحركات، وإلا فلن تكون ذات مصداقية”.

ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين” إن القائمة سهلة. إذا قلنا لجبران باسيل (وزير الخارجية المسيحي السابق وصهر ميشال عون) ونبيه بري (الرئيس الشيعي للبرلمان) وسعد الحريري (رئيس الوزراء السني السابق) إنهم إن استمروا في عدم القيام بأي شيء، فلن يتمكنوا بعد الآن من السفر إلى أي بلد من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأن أصولهم في الخارج، المالية والعقارية، سيتم تجميدها، فينبغي أن تكون هذه الطريقة مفيدة ، لأنه فقط من خلال المس بأموالهم سيفهمون”.

وقد بدأ البعض في تلقي الرسالة. “سأذهب إلى النهاية في مكافحة الفساد. وسيحاسب جميع المسؤولين عن أفعالهم. المحاكم ستقرر، لن تكون هناك تنازلات او استثناءات” قال الرئيس اللبناني لمجلة “لوفيغارو”.

ليس ميشال عون من تتوجب محاسبته إنما عائلته والمحيطين به: جبران باسيل وميراي وكلودين (ابنتا الرئيس)، سليم جريصاتي (وزير شؤون الرئاسة السابق) وخصوصاً بنك سيدرس، مصرف حزبهم، التيار الوطني الحر، وهناك يودعون كل حسابات عائلة عون.

الضغط متعدد الأوجه يؤتي ثماره. ويوم الجمعة، وبعد أكثر من أسبوعين من المماطلة، قررت الرئاسة اللبنانية أخيرا تحديد موعد للاستشارات البرلمانية يوم الاثنين – قبل ساعات قليلة من وصول ماكرون – التي ينبغي في نهايتها تعيين رئيس وزراء جديد. وهذه هي الخطوة الأولى في عملية تعيين رئيس الحكومة. يمكن أن تستمر 48 ساعة، أي حتى يغادر إيمانويل ماكرون. إن نزع اسم رئيس حكومة (سني) من الأحزاب خلال زيارته سيكون أول نجاح، ويبقى العمل الأصعب الذي ينبغي القيام به – تشكيل الحكومة.

نهاية الشيكات على بياض

وزيرة الداخلية السابقة، السيدة ريا الحسن، على القائمة، تمام سلام ونجيب ميقاتي رفضا المنصب، في حين يعارض حزب الله نواف سلام… ولكن سيرحب بعودة سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق الضعيف الذي يسيطر عليه الحزب الشيعي الموالي لإيران، إلى العمل. وقد رفض منصبا شغله بالفعل ثلاث مرات، ولم يحقق نجاحا يُذكر. وكان رؤساء الوزراء السابقون، ومنهم سعد الحريري، قد أعلنوا مساء الأحد، بعد اجتماع، أنهم توصلوا إلى اتفاق حول اسم مصطفى أديب، سفير لبنان لدى ألمانيا.

لقد طرد الشعب سعد الحريري في ثورة تشرين الأول 2019، وإن كانت باريس، التي تؤكد الاستماع إلى الشعب، تدعمه، فهي لم تفهم شيئا”. لم يعد نجل رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي اغتيل في العام 2005، يفوح قداسة في قصر الإليزيه منذ 20 أيلول 2019، تاريخ آخر لقاء له مع إيمانويل ماكرون. كان رئيس الدولة قد أنقذه للتو من براثن ولي عهد السعودي محمد بن سلمان، الذي اعتقله قبل عامين في الرياض، ثم وبّخ رئيس الوزراء بأنه لم يفعل شيئا بعد أن تعهد المجتمع الدولي بتقديم 11 مليار دولار لبلاده قبل 16 شهرا مقابل إصلاحات. “لم يكترثوا حتى لإنشاء موقع على شبكة الإنترنت”، للإعلان عن تمويل 280 مشروعا للبنان.

الافتراس
كانت الـ11 مليار هذه الموعودة للبنان موضوع انقسام بين الأحزاب السياسية والهيكليات التي كانت تستفيد منها. وكانت بعض هذه المشاريع تذهب إلى حركة أمل، حزب نبيه بري الشيعي، وأخرى إلى تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، وأخيرا إلى حزب جبران باسيل. كانوا يفكرون: هناك أحد 11 مليار على المحك، ويمكننا أن نأمل بالحصول على 20 بالمئة عن طريق زيادة الفواتير بهذا القدر، وأن 20 بالمئة ستذهب إلى جيبنا. كانت الأحزاب الرئيسية تأمل بالحصول على مليارين، وبالتالي 700 مليون لكل منها. وفي المفاوضات مع الفرنسيين، لم يكن رجل سعد الحريري منزعجا على الإطلاق من المطالبة بعمولة نسبتها 20 بالمئة. لحسن الحظ لم يقبل المجتمع الدولي السير في هذا المخطط.

يعرف إيمانويل ماكرون كل شيء عن هذا السلوك الحقير. لقد ولت أيام الشيكات على بياض، التي بدأت في زمن جاك شيراك، الصديق الكبير للبنان ورفيق الحريري. ولكن هل سينجح رئيس الدولة في فرض آرائه على الديناصورات اللبنانية؟ لطالما كانت الأحزاب تسد. ولكن مع التهديد بالضرب على أصابعهم، يمكن أن ينجح الأمر هذه المرة.

يحلمون جميعا بأن زورو سيأتي مرة اخرى لإنقاذهم. وكما كان الحال في الماضي مع جاك شيراك أو دول الخليج، يعتقدون أن المتبرع السخي سوف يهبط. وهم الآن يراهنون على الغاز المكتشف قبالة لبنان أو على الجغرافيا السياسية، ويقولون لنا إن لبنان محوري في الشرق الأوسط، وإلا فإن كل شيء سينهار. لكن سبق وانهار كل شيء بالفعل!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى