تحت المجهر

رسالة من فواز السمان إلى أمه . (بقلم عمر سعيد)

صباح الخير يا أمي من تحت التراب..
وأنا أعلم الجميع بقلبك ووجعك وحزنك وبكائك الآن ..
وأعلم أنك زعلانة مني، خاصة أنك حذرتني مرات كثيرة..
وقلت لي : “إنهم غدارون يا ولدي”
لكني أصريت على حماقتي ..

ولكن ماذا كان بإمكاني أن أفعل يا أماه ؟
وانت تعرفين أني قد صبرت ٢٦ عاما على الحرمان..
أفليست ال ٢٦ عام من الصبر بكافية ليسمعوا أنيني ووجعي وجوعي؟!

يا أمي:
٢٦ عام مللت فيها ارتداء أحذية البالة وملابسها !
٢٦ عام مللت فيها طعام الصدقات وبقايا موائد الشبعانين !
٢٦ عاما مللت فيها الوقوف قبالة المطاعم وشوايات اللحمة والدجاج اكتفي بروائحها المنبعثة وكظم الاشتهاء !
٢٦ عاما مللت فيها وعودك ووعودهم المزيفة وقولك ” الله كريم ولا بد تفرج ” !
٢٦ عاما لم أعد احتمل ما تعرضت له من إحراجات الاستدانة والعوز والحاجة !

ماذا كنت تتوقعين مني أن أفعل؟
هل كنت تريدينني أن اتزوج ليرث عني أطفالي كل ذلك الملل وتلك الاضطرابات والغضب المكتوم .

يا أمي أتذكرين يوم كنت تسألينني عن أسباب حزني؟
كنت أحزن لأني كنت أراك كيف توزعين حبك الذي لا تملكين سواه بين أبنائك الجائعين، لعله ينسيهم طعم الرغيف الذي يشتهون.

أتعرفين لم كنت أبكي في زاوية الغرفة ذاك الصباح؟
بكيت يا أمي لأني سجدت طول الليل لربي كي أشبع، غير أني نهضت في الصباح الباكر على أمعائي تؤلمني من شدة الجوع!

فماذا كان عليّ أن أفعل يا أمي ؟
وأنت ليس عندك أكثر من الحب، والحب لا يغني عن جوع، والله لم يستجب لرجاءاتي الطويلة الطويلة، وصاحب القصر في بيروت لا يسمع ولا يرى ..
وما عاد لدى الذين أعطونا ما يكفي لإطعامنا من جديد!
فماذا عساي كنت أفعل غير الشهادة؟!
وهذا أكثر ما استطعت أن أقدمه لك..
على الأقل قد تأكلين أنت واخوتي من إحسانات المشفقين على ام الشهيد.
وداعا .. سامحيني !
ابنك فواز ٢٨ نيسان ٢٠٢٠

بقلم عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى