تحت المجهر

” ألف دعوة ما مزقت قميص ، وألف زلغوطة ما جوزت عريس ” (بقلم عمر سعيد)

ثوراتنا العارية المفرغة لن تحقق أهدافها ، وستظل ككل الثورات التي سبقتها ، وكما يقول المثل الشعبي : ” الف دعوة ما مزقت قميص ، وألف زلغوطة ما جوزت عريس ”

فالمحاسبة ليست هي الطاقة الكافية لبلوغ التغيير أبداً ، إذ أن قطع يد السارق لا يوقف بتاتاً الجوع ، وقطع رأس القاتل ، لا ينهي أبداً نزعات الإنتقام والجريمة ، وما ينتج عنها من تعديات ، وإن بدا يحد منها .

فالثورات التي تقوم على رد فعل فقط ؛ تنتهي بإزالة الفعل المسبب ، وهذا لا يكفي لتحقيق المجتمع الذي يلبي حاجات التغيير و التطور والعصرنة ..

والفعل الأفقي للثورات لا يترك أكثر من آثار ظاهرية ، لأنه لا يهدد الأسقف المنخفضة التي تضيق على الفكر ، وتشوه العقول .
لأن الثورات التي لا تحقق الاختراق والتجاوز المطلوبين ، لا تنجز ،ط.
وهي ستعود وحتما على المجتمع بمزيد من الانكفاءات والهزائم والتردي .

فاليمن بعد ثورة علي عبدالله صالح لا يقل سوءاً عن يمن الأئمة في الفترة التي سبقته ، وها هو اليوم حوثيون ويمانيون بدون تعليم أو طبابة أو أمن .

والعراق بعد ثورة ١٧ – ٣٠ تموز أشد بشاعة عن عراق الحكم الملكي قبلها ..
فقد أثمرت إنجازات ثورة البعث في العراق تغيير اسم مؤسس حزبها إلى محمد ميشال عفلق ، مجاملة للعقلية الإسلامية دون تقبل إسلامه باسم ميشال ..
وفي سنوات حكم صدام حسين الأخيرة صارت الترقيات في الجيش العراقي تشترط حفظ أجزاء من القرآن الكريم ، وها هو العراق اليوم عمامة وكرباج وفقر وتجهيل .
ولقد انجزت ثورة البعث في سوريا السجون والاعدامات والعلويين والسنة والكرد و التهجير و .

ومصر بعد ثورة يونيو أشد قبحاً من مصر فاروق ، وها هي اليوم إخوان ومصريين وآلاف المشاكل المتراكمة دون حلول .
وكذلك ليبيا بعد القذافي أشد بؤساً من ليبيا الأدارسة قبله ، و الجزائر والقائمة تطول ..

وما دلالة ذلك إلا على رضوخ الثورات العربية لسقف العقل الشعبي الذي عجزت عن رفعه أو اختراقه أو اسقاطه أوالفعل فيه ، وهي دلالة على العجز عن بناء دولة المؤسسات التي تضمن الانتقال السلمي الصحيح الواعد للسلطة وإنتاجها .

بل إن هذه الثورات اكتفت ببناء الدولة الأمنية البوليسية التي تقوم إنجازاتها على بناء السجون والمواطنين الصامتين والفوضى التي نحن فيها .

وها هي شعوب الأقطار العربية وبعد كل تلك الثورات في بلدانها ، عادت – نتيجة الإحباط واليأس – تنتظر وصول الحاكم العادل ، متكلة في ذلك على قوى غيبية ، دون أن تسعى إلى صناعته ..

ذلك لأن الثورات التي لا تفجر أعماق الإنسان ، وتكشف عن تعفن كل موروثه ، لا قيمة لها إن تولت مهمة إسقاط القشور ، واستبدال حاكم ظالم بآخر نزيه درويش ..

لأن النزاهة ليس كل درجات سلم الصعود ، بل هي ليست أكثر من مجرد درجة في أوله فقط .
فالحاكم النزيه ليس بالضرورة أن يكون عادلاً ، أو تغييرياً ، أو إنجازياً .
إذ قد تتوفر النزاهة في شخص عاجز أحياناً ، أو انها قد تتوفر في قاتل أو في جاهل ..
وبالتالي إن أدوات تغيير المجتمع أبعد بكثير من عناوين القيم التي يتم رفعها كشعارات في أوقات الثورة ..

وما أن تنتهي الثورة حتى يعود المجتمع إلى مستنقعاته الراكدة الأسنة ، ليتولى انتاج الفرد فيه الموروث والتدين والتربية و التعليم الطوائفي والقبائلي والمناطقي والعادات المتهرئة والتقاليد البالية .

إن الثورات الحقيقية هي تلك التي تجرد العقل وتعريه ، وتجعله أمام معضلاته الأشد تعقيداً ..
لأن كل طرح هامشي سطحي التوائي التفافي سيكون في النهاية كما يقول المثل الشعبي :
” متل اللي بيكوي الحمار فوق الجلال ”

عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى