تحت المجهر

دعوى باسيل على صادق ورعيدي: القضاء اللبناني يغالط نفسه

نادر فوز – المدن

يكاد يصبح مشهد الاعتصام أمام قصر العدل أو المراكز الأمنية للتضامن مع الصحافيين والناشطين مشهداً يومياً. حلقة جديدة من الاستدعاءات القضائية بحق هؤلاء سجّلت يوم الخميس، بمثول كل من الزميلة ديما صادق والناشط جينو رعيدي للاستماع إلى إفادتيهما، في دعوى مقدمة ضدهما من التيار الوطني الحرّ، بشخص رئيسه جبران باسيل.

ترافقت الجلسة مع تجمهر العشرات على أبواب قصر العدل، مطالبين بوقف هذه الحملات التي يراد منها ترهيب الناشطين وأصحاب الآراء المعارضة للسلطة. فبينما كان ضابط من المباحث الجنائية يدوّن أقوال صادق ورعيدي، حوّل المعتصمون مدخل قصر العدل إلى ساحة عامة للتعبير عن رفض بوليسية الدولة ومن فيها.

ردّيات مبتكرة
جاء التضامن مع صادق ورعيدي مختلفاً عن حلقات التضامن التي سبقته. حضر المعتصمون مع طبل وردّدوا العديد من شعارات الثورة، أولها “ما منخاف وما منطاطي، حكم الأزعر عصباطي”. وابتكروا ردّيات أخرى على لحن “الهوارة” تدين السياسيين، كلن يعني كلن، لكن خصصوا بعضها للقضاة أيضاً “يا قاضي اسمع اسمع، نحن الثورة وبدك تركع، ليش مش عم تعمل شغلك، ما تصدقهم جايي دورك”. وأخرى تجاري بوليسية الدولة وملاحقة أحزابها للمعارضة، “هيدي دولة بوليسية، بتاخد قرارها عشية، وبتحبس شعبها على الصبحية”. لخّصت هذه الكلمات الملحّنة واقع الحال. قالت باقتضاب أنّ السكوت ليست خياراً وأنّ الثورة مستمرة.

التباسات الدعوى
قامت دعوى باسيل بناءً على نشر صادق ورعيدي لفيديو يظهر شخصاً وقع في ريغاراً لتصريف المياه، يقول من التقطه إنّ أنصار التيار الوطني الحرّ تعرّضوا له بالضرب ورموه في المجاري. قبل الاستماع إلى إفادة المدعى عليهما، كان كل همّ التيار الوطني الحرّ التأكيد على أنّ هذه الدعوى لا تدخل في إطار التعدي على حرية التعبير. هذا ما أكده الوكيل القانون لرئيس التيار، المحامي ماجد البويز، قبل أيام من جلسة التحقيق. فأشار إلى أنّ الدعوى “على علاقة باتهام التيار بمحاولة قتل شخص سقط في الريغار فيما هم (الأصح هما، صادق ورعيدي) ادّعوا أنه تعرّض للضرب على يد تياريين”. أي نشر أخبار كاذبة تثير النعرات بين أهالي طرابلس وكسروان. لكن ما حصل في التحقيق ابتعد كل البعد عن سياق الترويج لأخبار كاذبة. فتؤكد صادق لـ”المدن” أنّ أسئلة المحقق تمحورت حول اتهام التيار بالنازية كقدح وذم بحق الباسيليين وإيقاع الفتنة بين المنطقتين اللبنانيّتين.

دعوى المتضرّر
وفي سياق الردّ على أسئلة المحقق، برزت صادق مستنداً قانونياً يؤكد شكوى قضائية تقدّم بها الشخص المتضرر في حادثة جونية ضد التيار الوطني الحرّ. ونقلت الزميلة ما أورده الأخير في نص الدعوى حيث أكد أنّ المعتدين عليه أجبروه على القول إنّ “(فخامة الرئيس) ميشال عون تاج رأسك، وتاج رأس طرابلس”. فجاءت هذه الورقة التي لعبتها صادق حاسمةً في تثبيت الجرم الذي وقع على يد أنصار للتيار، مع ضرورة التأكيد على أنّ هذه القضية لا تزال في القضاء بانتظار البتّ بها. فمن شأن هذه الشكوى أن تنسف فرضية “الأخبار الكاذبة”، لتبقى تهمة القدح والذم قائمة.

تضرر من النازية
أوضحت الدعوى، ومجرى التحقيق أيضاً، أنّ الوزير السابق جبران باسيل مستاء من وصفه والتيار الوطني الحرّ بالعنصريين والنازيين. لكن ما تثبته أقوال باسيل ومواقف نواب من الكتلة التي يرأسها ومسؤولين في تياره السياسي، تأتي لتثبّت عنصريتهم وآراءهم المثيرة للفتنة الطائفية. فاستعراض هذه المواقف يبدأ من طائفية عرقلة التعيينات وصولاً إلى “أكياس الجنفيص في حرب الجبل”، مروراً بادعاء مذهبية الحرائق التي اجتاحت جبال لبنان في تشرين الأول الماضي، ولا تنتهي بمنع بيع العقارات للمسلمين في منطقة الحدث إضافة إلى مواقف لا تحصى تحرّض على اللاجئين السوريين والفلسطينيين وغيرهم. أو حتى تأكيد باسيل على مبدأ “التفوّق الجيني” أو قوله الحرفي “نحن عنصريون بلبنانيّتنا”. هو يقول هذه الحقيقة ولا داعي للتجنّي عليه.

عدم مساواة القضاء
لا بد من التذكير أنّ جبران باسيل هو نفسه معرض دعوى قضائية لدى النيابة العامة التمييزية مقدمة من سبع جمعيات أهلية لبنانية بتهمة إثارة النعرات الطائفية والأهلية. وضمّت الشكوى نفسها الادعاء على سياسيين آخرين منهم النائب زياد أسود والنائب السابق إيلي ماروني وغيرهما “لإقدامهم على إثارة النعرات الطائفية والأهلية، جرم المادة 317 من قانون العقوبات”. لكن هذه الدعوى المقدمة في آب الماضي أسقطها القضاء في تشرين الثاني نسبةً للتعليل الآتي: “عدم سماح الدعوى بعدم الصلاحية وعدم الصفة”. وإذ بالقضاء يعطي باسيل والتيار الوطني الحر حق الادعاء على ديما صادق وجينو بعيني في جرم إثارة النعرات الطائفية. فيشير ذلك إلى استنسابية في عمل القضاء وعدم مساواة المواطنين اللبنانيين في حقوقهم، والتأكيد على مضي السلطة في قمع الناس قولاً وفعلاً بكل الوسائل المتاحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى