رأي حر

متى علينا أن نتوقّف عن الكتابة؟! – بلقم عمر سعيد

ما من مهارة لا تحتاج إلى تدريبات.

حتّى مهارة الصّمت تتطلّب ممّن يمارسها الكثير من التّدريبات، الّتي تمكنه من التّنقل بين مستويات الوعي، الّتي يسعى إليها.

كثيرًا ما نسمع كلامًا عن الشّغف، إلّا أنّه يظلّ مجرّد حالة شعور، ما لم ينتقل إلى فعل.

تعج المقاهي في زمن المونديال بلاعبي كرة القدم والمحلّلين، الذين يضجون بالشّغف، غير أنّهم جميعهم أبعد ممّا يتوقّعون عن بلوغ كرة اللّعب، لأنّ الشّغف وحده لا يكفي لبلوغها.
كذلك يحصل مع هواة الموسيقى، وغيرها من إبداع.
ينكفىء المبدع بانكفاء أعضاء جسده عن آداء كثير من وظائفها البيولوجية، والشّعوريّة.
كان أبي يدخّن سجائر، يلفّها بأصابعه الرّشيقة، عندما أعيته السّنون، صار يطلب منّي أن أفعل ذلك، ثمّ تراجع عدد سجائره تدريجيًّا حتّى بات سيجارة واحدة في اليوم، ثمّ توقّف عن طلب ذلك، فعرفت أنّ شغفه بالسّجائر؛ قد انتهى.

كذلك إنّ لانحسار الجغرافيا من حول المبدع، ورتابة الحياة فيه، وتكرار الوجوه والعقول التي يحتكّ بها، أثر قاس في انكفاء قدرته على الإبداع.

قرأت نصوصًا، أخبرتني بنفسها؛ أنّ صاحبها بدأ يعاني من أزمة تردّى الشّغف.
غير أن بعض الكتاب يؤلمهم الاعتراف بذلك.
فنادرة وجدًا؛ النّصوص الّتي يمكن أن تتفوّق على تجربة كاتبها.

ومع تقدّم العمر تتلاشى الحكاية فينا، وينأى السّرد، ويهبط الخيال إلى مستوى الرتابة والملل، وتتدنّى رغبة القراءة فينا، وتتراجع إرادتنا عن طاقتها على الانتظار والتّرقب، فتشيخ نصوصنا كما شخنا.
في مثل هذه الحالة؛ ينبغي على الكاتب أن يعي؛ أنّ الأمر بطبيعته قد خرج عن السيّطرة، وأنّ زمن الإرادة والتّدريب والشّغف قد انتهى.
أخيرًا.. إنّ أوّل مؤشّرات الحاجة إلى التّوقف عن الكتابة، وباعتقادي تبدأ من تجنّب الكاتب لقراءة نصوصه المتأخّرة، وتجنبه سماع رأيي الآخرين فيها!
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى