رأي حر

يموت الديك وعينه على المزبلة (بقلم عمر سعيد)

 

يظن البعض أن الوعي والثقافة مجرد تراكم معلومات، يتم استخدامها في المواقف..
وأن هوية الشخص الثقافية تحددها عدة عبارات ومصطلحات وجمل، يوظفها خلال أحاديثه.

وربما كان الصوت أحد أهم مداخلنا إلى الآخر ..
لأننا به نحدد جغرافيا المتحدث؛ من حيث جهة الصوت، وطبيعته والمسافة التي يقطعها ليصلنا.
ولهذه العوامل الثلاثة دورها في التعرف إلى المضامين والمقاصد والنتائج..
فالجهة هي خلفية المتحدث الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
والطبيعة هي ملامحه النفسية وظروفها التي تعكس قناعاته ومدى جديته وثقته بنفسه.
والمسافة هي فراغ يقاس به عمق العلاقة بين المرسل والمتلقي، وما تحدثه من اختراقات إيجابية أو سلبية.

والذي دفعني للكتابة في هذا العنوان، هو الصمم الذي نراه من حولنا في أذني الغالبية المستمعة؛ غير المصغية من الناس.

غالبية تتناقل الأخبار ومقاطع الأقوال والأمثال والأحاديث والتعليقات والتغريدات، دون أقل تحليل أو فهم أو إعمال للعقل في ما سمعوا.

فالكلام الذي لا يحدث اختراقا، لن يحدث تغييراً، ولن يحقق الفرق.

سنوات من الرطن والثرثرة، والحصيلة مزيد من التراجع والانكفاء والسقوط والانهيار.
حتى تشكلت جبال من النفايات والزبالة الكلامية المكتوبة والمسموعة، التي استأنس الكثير من أنصاف وأرباع المثقفين الإقامة عندها. ينبشون فيها بحثاً عما يطيل أعمار مشاريعهم الفاسدة وكلامهم الفارغ من كل حقيقة. ينصبون أنفسهم زعامات لمجتمعات وشوارع تتآكل يوماً بعد يوم بخداعها الكلامي الفارغ.

ولأن الجاهل يفرض شروطه، إن معركة التغيير قاسية جداً جداً، خاصة وأن ديكة الكلام التجهيلي صبت كل إمكانياتها في حقول التجهيل المتعمد؛ الذي حول الكثيرين بفعل التحريض والتخويف واستثمار الغرائز إلى مصائب اجتماعية ونفايات أيديواوجية غير قابلة للتدوير.

ولأننا نستورد التجارب بشقها الاستهلاكي، لا بشقها الثقافي، تظهر آثار كل تلك التجارب في مجتمعاتنا مشوهة.

فلقد استوردنا الآلة المصنعة من الغرب، وتركنا نفاياتها تفسد هواءنا، تربتنا وزراعتنا ومياهنا.
كما استوردنا الديموقراطية، وتركنا الجهل يقودها، ويوجهها في صناديق الانتخابات صوب كل فشل ودمار باختيار الزعامات التافهة.

كل ذلك مرده إلى أننا تبنينا الثقافة كظاهرة صوتية كلامية، وأهملنا فعلها كسلوك يخترق..
فما جدوى وقيمة القراءة والكتابة والبلاغة والإنشاء إن لم تنتج إنساناً يطبق ثقافته سلوكاً وقيماً وفعلاً ؟

لذا وصلنا إلى مزارع من ديكة الزعامات، التي تموت وقد ظلت عينيها على مزابل مجتمعات تغوص في الجهل والفقر والجوع والحرمان؛ الذي كومته وراكمته بتعمد وإصرار فوق كاهله.

وبتنا نعيش وسط مزابل الطائفية والفوضى والاستغلال، مزابل تستقطب كل ديكة الكلام الفاشل؛ التي لن تتمكن من اشراق شمس مهما علا صيحها.

وها هي أعناق الجميع تحت سكين السقوط والانهيار الذي لن يذر جنحاً دون أن ينتفه..
فشكرا لكل جاهل فرض علينا شروطه بديك يموت، وقد ظلت عينه على المزبلة.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى