رأي حر

مجرد بوصات فارغة (بقلم عمر سعيد)

رغم كل التغيرات المناخية التي تطرأ على العالم ، ورغم كل الاسهامات الانسانية التي اسقطت جدار برلين ، وفتحت الأبواب بين كوبا والولايات المتحدة ، ووحدت أوروبا ، وجمعت قادة الكوريتين ، إلا أن العقل العربي لا زال يعاني من مغص وتشنجات وتقلصات تحرمه الاسترخاء ، والإصغاء والتحاور مع حقائق يعرضها آخرون ولو لم يكونوا أعداء ..

وما أن يهزه طرح ما ، حتى يتعالى الضراط الفكري ، والتبعج النفسي المقيح ، لنكتشف حجم الغازات المعرفية التي يخزنها هذا العقل عبر التاريخ..

فهو العقل الوحيد في تاريخ البشرية الذي لا زال ينصب نفسه مرشدا للفكر البشري ، وهو الوحيد الذي يسمح لنفسه بإقصاء فردي و جماعي لأي طرح لا يضخم غازاته المعرفية ..

وهو العقل الوحيد الذي يقيم المحاكمات ، ويوزع التهم ، ويقرر عن الفرد والجماعة بالقوة الوحشية .

وكل ذلك لأنه عقل يعتمد المنهج الشفوي ، فالمشافهة من أنجح اساليب الفكر البليد العاجز الإدعائي ، لأن اليقين في المشافهة نسبي ، ومضبب ، أما اليقين في التوثيق فهو قطعي ، واضح ونقي ، لا لبس فيه ..

لذلك ترى الكثير من الذهنيات العربية على المستوى الشعبي والرسمي يسقط التوثيق من حساباته .. فإذا تشارك لا يوثق ، وإذا تداين لا كتتب ، و يؤلف عشرات الكتب ذهنيا ،
ثم تعمل الذهنية الشعبية على تصوير الاكتتاب والتوثيق بأنه إهانة للكرامة الشخصية والمجتمعية والثقة المتبادلة ..

الأمر الذي جعل الكلمة المكتوبة تساوي صفر قيمة ، وبالتالي يستشري في الجميع اجترار القصص نفسها، والعلك الكلامي الفارغ ، وإنتاج العلوم المحكية التي تمتلك حلاً لكل أزمات الكوكب الحالية والقادمة ، والسابقة إن أردت …

فكم من ( د. ) لا يحمل شهادة حقيقية ؟ وكم من منصب بلغه البعض بشهادة مزورة ؟! وكم من كتاب نشر ، لم يكتبه مدعي تأليفه ؟ وكم من مقالة نشرت باسم وهمي خوفاً وخشية ؟
والسرد يطول . والأشد مرارة أنه عقل لا بقرأ ، ولا يتحرج من خوض النقاشات في الذرة والطب والهندسة والفكر والفلسفة وفي كورونا الذي لا زال مجهولا .

غير أن كل هذا التشدد الظاهري والشكلي ، وكل ذلك الإسهال الكلامي ليس إلا دلالة على كميات التعفن في هذا العقل ، فيؤكد خواءه الداخلي ، وفراغه المنتفخ بالعنجهية والحماقة والثرثرة الصحراوية داخل مجرد بوصات فارغة إلا من الادعاء.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى