رأي حر

حكيم العاقل والإقامة في الألوان / بقلم عمر سعيد

لا أعرف كيف لمبدع أن يحتمل الإقامة بين الألوان زمنًا طويلًا كالزّمن في لوحته هذه.

لقد أطال حكيم العاقل المبدع اليمني الإقامة في ألوانه.

ترى ما الذي يراه أثناء نومه، في أحلامه، خلال شروده، وإذا أغمض جفنيه ليعزل نفسه عمّا حوله للحظات؟

كيف يرى الآخر إذا وقف أمامه؟
وكيف ينظر إلى النّاس أثناء تجوّله في الشّوارع والأسواق.
ما حاله عند الخروج إلى الرياضة في حقول بلاده صباحًا ومساء؟!

أسئلة أيقظتها فيّ هذه اللّوحة الّتي حوت مروحة هائلة من الألوان ودرجاتها.

هي إمرأة في الظّاهر. لكنّها ألوان لا تحصى في مخيّلة ذلك المبدع الّذي لا ينفكّ عن الإقامة في تلك النّار.

إنّ من يرى بالألوان، لا يمكنه أن يرى كم يرى الدّين والسّياسة، إذ يريا العالم بالأبيض والأسود على قاعدة “معنا أو ضدّنا”
لذا يفرّ غالبية النّاس من الفن والإبداع والجمال. يفرّون إلى الأبيض والأسود، تجنبًا لما في الألوان من عوالم لن يلحقوا بها.

حكيم العاقل مبدع يمني يتقن خلق ما هو أبعد من الأسطح في الألوانه.
فإذا رسم كوب شاي يتعال فوقه بخاره، يدفع النّاظر إلى حكّ ذؤابة أنفه.

في هذه اللّوحة أكاد أمدّ يدي لتعديل طرحة الرّأس فوق شعرها، قبل أن تسقط.
وتدفعني نظرتها إلى تجنّب النّظر في عينيها، لما تبعث فيّ من اتهامات تلامسني.

كيف استطاع أن يحجب عنا الأنوثة وسط كلّ هذه الألوان والجمال؟!
لا بل كيف له أن يقيم تلك العلاقات شبه المستعصية بين ما يضجّ فيها، وما يبديه من خلف شفافيّة الألوان النّارية فوق سطح اللّوحة كلّها.

علاقة الأسود فيما بينه في شعر مقدّمة الرّأس، والحواجب، وسواد العيون، والشّعر خلف رقبتها، وفي ذلك الخطّ الّذي يحيط بملامح وجهها.

لا أدري إن كان حكيم العاقل يرسم من الدّاخل إلى الخارج فيه، وليس في العمل، أم العكس.
لكني أدري أنّ هذا المبدع في داخله مواقد جمر لنار لا تهدأ، يقلّبها بأكفّه العارية من أي وقاية أو قفّازات. يقوم بَعْدَها بالغرف منها ما لا يطرح عنها جدلية العلاقة بين الجمار والرّماد والاشتعال، والدّخان، والحرق.

هو في رحلته تلك يقيم في نار ألوانه ما لم يقمه صاحب النّار الّذي إلى اليوم لا نعلم كيف ينجو مثلهما من مثل تلك الإقامات!
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى