لبنان

ميشال الشمّاعي … ناسك القضيّة الجزء الأول

طريّ العود يدخل حقله حاملًا معوله وزرعه ليحضّر أرضه، ويضع البذور الصالحة حتى يأتي يوم الحصاد فيكون الحصاد وفيرًا. شقّ ميشال شماعي طريقه واثقًا غير عابئ بالعقبات التي قد تعترض سبيله، فهو يشعر بأنّه في مهمة وعليه إنجازها بنجاح. لذلك، انطلق ينهل العلم متسلحًّا بمسيحيّته وقضيّته فبات الصحافي والكاتب، والمحلل السياسي، والاستاذ الجامعي. نبع غزير لا ينضب يسقي منه أرضه العطشى.

متعصّب ومنفتح هو، صفتان متناقضتان تحلى بهما ميشال ناسك القضيّة، كما يعتبره كثيرون من رفاقه. فهو يؤمن أن الاختلاف يجب ألا يكون سببًا للتقوقع، بل على العكس، هذا الاختلاف لا يمنعه من الالتزام بقضيته وصولاً حتّى التحاور مع مَن يتواجد على الضفة الأخرى من دون أن يذوب في فكره، بشرطٍ واحدٍ هو: أن يجتمع وأيّ آخر حول الكٍيانيّة اللبنانيّة. فحقله متنوع ويتّسع لجميع أنواع الثمار، كما يحب التحدي في معرفة الآخر.

شجاع ومقدام هو، كيف لا وهو خرّيج مدرسته الأولى، قلعة الصمود، عين الرمانة، حيث بدأ نضاله وهو في الرابعة عشرة من عمره واستمر على الطرقات وفي الزواريب، على قدر ما كان يسمح به عمره في عزّ سنين الاضطهاد في مرحلة 1990 وما بعدها

يتذكر ميشال أنه في العام 97 حين زار قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني لبنان، ذهب مع رفاقه إلى القداس في النورماندي، ورغم التفتيش الدقيق الذي خضعوا له امتلأ المكان بأعلام القوات اللبنانية ويافطات تطالب بإطلاق سراح د. جعجع. فيعترف بعد هذه السنين قائلاً:” كنا قد خبأناها تحت ملابسنا. ولم نكن نخاف، لكن لم نكن نعرف لماذا. وكانت لدي قناعة رسختها لدي ترنيمة في الليتورجيا البيزنطية تقول: إن الله معنا، فاعلموا أيها الأمم وانهزموا، لأن الله معنا”.

لم يتردد ميشال لحظة بالموافقة حين طُلب منه أن ينظم أنشطة قواتية في منطقة الزهراني إلى جانب إدغار مارون رغم معرفته مدى صعوبة العمل “خلف الخطوط”. في هذه المرحلة كان قد أنهى ميشال مرحلة دار المعلمين، فتم تعيينه في قريته العدّوسية. توجه إلى قريته وفي رأسه مهمة يريد أن ينفّذها. ألا وهي نشر فكر القضيّة اللبنانيّة في قريةٍ نائية من الجنوب يتملّك أهلها هاجس التهجير مرّة جديدة.
يقول ميشال، “عند ذهابي إلى العدّوسية أخذت على عاتقي مهمة التبشير عملاً بقول القديس بولس: “الويل لي إن لم أبشر.” فأسّست فوج كشافة، ليتبيّن لي أن المشرفين على هذا الفوج يريدون تدريب أولاد القرية في مخيّمات يهيمن على قادتها الفكر القومي. عندها،

استقلّ ميشال بفوجه وأخذ على عاتقه الشخصي إقامة مخيمات للأولاد الذين وصل عددهم إلى 200 ولدًا بدءًا بعمر ثلاث سنوات. إضافةً إلى تنظيم ندوات سياسية وفكرية على قدر إمكاناته. ما أثمر بعد سنين ولادة مركز لحزب القوات اللبنانيّة ترأسه بادئ الأمر ليسلّمه بالطريقة الديمقراطيّة إلى مَن خلفه خير خلف من رفاقه.

وفي الوقت نفسه، يتابع ميشال “كنا نعمل في دير المخلص في مساعدة الشبيبة في مخيّماتهم، وهناك سمعت ذلك الصوت الذي شعرت بأنّه يدعوني إلى هذه الرّهبنة. وبعدما خضت رياضة روحيّة لاكتشاف دعوتي الحقيقيّة في دير القيامة في شبروح، انطلقت إلى رحاب الحياة النسكيّة في دير القضيّة اللبنانيّة. وصولاً إلى العام 2003، حين تلقت والدتي نصيحة بأن تخرجني من القرية أو يرسلوني إليها قطعًا في أكياس، فبذلت جهدها مع جميع وانتقلت لمتابعة حياتي مع أهلي في عين الرّمانة من جديد.”

امرأتان طبعتا حياة ميشال شماعي النضالية والتربوية. المرأة الأولى هي والدته التي كانت ملهمته وتأثر كثيرًا بتربيتها. “كانت أمي قوات لبنانية أكثر منا. كانت تهتم دائمًا بهذه الناحية الوطنية التربوية لدينا. لهذا بدأ شقيقي نضاله في القوات وهو في سن السابعة عشرة، مثل كل الشباب، وكانت ترافقه دائمًا بصلاتها وتلح علينا بأن نصلي له. وهكذا كان لمسيرة شقيقي تأثير كبير في مسيرتي الحزبيّة، فهذا جزء من التربية. فالأم التي تفكر بهذه الطريقة، كيف يمكن أن يكون أولادها؟ كان هذا منطقها في التربية.

أما زوجته فيعتبرها ميشال الداعم الأول له، إذ كان وقوفها إلى جانبه أساسيًّا وجوهريًّا، لأنّها حملت أعباء المنزل والعائلة لتفسح له المجال لإكمال دراسته. ويجزم “أبو مجد” (كما يحبّ أن يُقَالُ له) “أؤكد أنه لولاها لما استطعت إكمال نشاطي الحزبي أو السياسي ولما استطعت حتّى متابعة دراستي.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى