لبنان

“حزب الله” يهاجم بالايراني وبكركي ترد “باللبناني”!

كتب جورج حايك: اثار كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن الشراكة والحياد في لبنان “زوبعة” في كواليس “حزب الله”، وقد كان واضحاً عندما قال أن هذه الشراكة قد تهتز وربما تصبح متعذرة، ما لم يتم اعتماد الحياد! ولعل هذا الكلام هو السقف الأعلى الذي وصل اليه البطريرك الراعي، مما دفع بعض النافذين في “الحزب” إلى بعث رسالة الى بكركي تعتبر ان الأحجام الداخلية الحالية وتوازنات القوى لا تسمح بأن يجري التلويح بمثل هذه المعادلة.

وقد استكمل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ذلك بكتاب مفتوح وجهه إلى الراعي بما يشبه مطالعة تاريخية لأحداث وحروب جرت في لبنان تثبت أن الحياد لا يحمي بل يجب أن ننحاز لحماية البلد!

إذاً ما يتكلم به “حزب الله” وبعض المرجعيات الدينية الشيعية يبدو في واد والبطريرك الراعي وبعض الأحزاب المسيحية في واد آخر.

وصلت الرسالة إلى بكركي وهي تقوم بدراستها رغم أن الأمور واضحة، وبالنسبة إلى شخصية سياسية مقربة من البطريركية المارونية تؤكد ان الهوة تتسع بين الكنيسة المارونية وما تمثّل و”الحزب” وما يمثّل، ويجب أن لا ينسى أحد ان بكركي أنشأت لبنان الكبير عندما كان لديها الخيار ان يكون لبنان مارونياً فقط، بل صنعت لبنان العيش المشترك، وعندما كانت موازين القوى تميل إلى المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، آمنت بالعيش المشترك وأعطت لكل مكوّن ضمن لبنان الكبير حقوقه، وتؤمن بهذا اللبنان، لكن لن تقبل اليوم بأن تعيش في ظل استقواء حزب مسلح من لون طائفي واحد على البلد، وتنفيذه مصلحة دولة أخرى على حساب المصلحة اللبنانية.

وتقول الشخصية السياسية انّ المشكلة مع “حزب الله” انه يعتبر نفسه “مندوب الله” على الأرض، وأي أحكام ستكون بإسم الله، ولا يعترف بالدستور بل يعمل على تحويل لبنان إلى ولاية إيرانية. ففي إيران، مثلاً، إرادة الولي الفقيه لا يوقفها الدستور، وهو يستطيع أن يتخذ أيّ قرار ولو كان مخالفاً للدستور، لأنّه يعتبر نفسه انّه يتحدث بإسم الله ويمثّله على الأرض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “حزب الله” في لبنان.

وترى انه من الخطأ التفكير أنّ موازين القوى هي لمصلحة “الحزب” اليوم، ولو أنّها لمصلحته، لفرض ما يريد، وتكريس لبنان ساحة صراعات ومنح شرعية لسلاحه بتموضعه الخارجي، هذه الشرعية لن نمنحه إيّاها، ولا التاريخ الماروني يسمح بأن تمنحه الكنيسة إيّاها بأي شكل من الأشكال. في البدء كان المسيحيون أحراراً، وهكذا سيبقون، ولن يقبلوا بوليّ فقيه ولا بغيره بأن يتحكّم بمصيرهم.

وتشدد الشخصية السياسية المقربة من بكركي على أن لبنان المؤمن بشرعة حقوق الإنسان، وبشرعة الأمم المتحدة، عليه ان يطلب المساندة من الأمم المتحدة لعدم استقواء فريق سياسي مسلح قراره في الخارج على المكونات اللبنانية الأخرى وليس على المسيحيين فقط، لذلك تطالب بكركي بالمؤتمر الدولي من أجل لبنان، وهذا ما تعمل عليه، وقد أكد البطريرك الراعي أنه يعمل على هذا الأمر، وربما يستغرق وقتاً لكن لا بد من أن يصل إلى نتيجة.

وتتساءل الشخصية السياسية ماذا يستفيد لبنان وكيف نحميه من خلال استغلاله في صراع المحاور، لما هو في مصلحة “الحرس الثوري الإيراني؟ ألم ينهر مالياً واقتصادياً واجتماعياً نتيجة اقحامه في صراعات المنطقة؟ في ظل فشل المبادرات “الحبيّة” التي كانت أبرزها “المبادرة الفرنسية”، وقد صلنا إلى مفصل تاريخي: انحلال الدولة أو “حياد” بكركي.

وتؤكد هذه الشخصية أن البطريرك كان منفتحاً على الحوار مع “حزب الله” لكن الأخير نسف كل جسور الحوار ولا يوفّر فرصة في التشبث بسياسته التي تورّط لبنان في صراعات ضد مصلحته الإستراتيجية، وصولاً الى تأثيره في تكوين السلطات لتكرّس “الانحراف الإستراتيجي”، ممّا أدخل البلاد في دوّامة مدمّرة للدولة. لذلك قررت بكركي مواجهة الأمر من خلال مشروعي “حياد لبنان” و”تدويل الإنقاذ”.

وتلفت الشخصية السياسية إلى أن “حزب الله” يكلّف مرجعيات روحية وشخصيات دينية يهيمن على توجهاتها، بالمواجهة، والرسائل وصلت، لكن للأسف أنه يصادر مواقف الطائفة الشيعية الكريمة التي لو كان ابناؤها ينعمون بحرية القرار، لوافقوا على الحوار في شأن “الحياد” بدلاً من رفضه واجراء مطالعات مغلوطة ومجافية للتاريخ وللمبادئ السياسية التي تؤدي إلى استقرار لبنان وازدهاره ووقف نزيف الهجرة منه.

عموماً توجّهات بكركي، لا تنفصل عن توجّهات الكرسي الرسولي، لذلك تأخذ مداها العالمي، وتصبح موضع اهتمام دولي، بحيث تنتقل، رويداً رويداً، من محور متابعة الى مجال تنفيذي.وتوضح الشخصية السياسية أن “حزب الله” يعرف التأثير الكبير لدور بكركي، في بلورة قرار تحرير لبنان من الاحتلال السوري الذي كان، وخلافاً لسلاح “حزب الله”، يحظى بموافقة ضمنية أو علنية، من المجتمع الدولي، لذلك هناك خطوط حمر لـ”الحزب”، وإن رفع السقف حالياً، سيضطر إلى التراجع في المستقبل القريب. أما تلويحه بموازين القوى والأحجام فلن يفيده لأن العددية في لبنان ليس لها قيمة، وحتى السلاح في أي مفاوضات حول صيغة لبنان لا يُصرف بالمعايير الدولية، وخصوصاً أن مربط خيل هذا السلاح وقراره معروف أنه في يد ايران، وعندما تجلس الدول على طاولة المفاوضات يصبح السلاح مادة للشراء والبيع.

وتنقل الشخصية السياسية عن بكركي أن الحياد ليس طرحاً مارونياً فقط، انما يجتمع حوله القسم الأكبر من المسيحيين والسنّة والدروز وجزء من الشيعة، وهو البديل الموضوعي لفكّ أسر لبنان عن الصراع الخليجي الإيراني الذي لا علاقة للبنان واللبنانيين به إلا من زاوية وصاية إيرانية على لبنان يمارسها “حزب الله”.

وتختم  بالقول بأنه على “الحزب” أن يفهم كلام البطريرك بأن رفض الحياد ينهي الشراكة من خلال حمل الكنيسة المارونية لهمّ “الدولة العميقة” التي حيث وجدت، كما في مصر وتونس، ذهبت المجتمعات إلى الحلّ السلمي، وحيث غابت، كما في سوريا وليبيا واليمن، سقطت الكيانات وتفتّت المجتمعات. فـ”حزب الله” ليس وحده في البلد، والواقعية تفرض عليه أن يفهم بأن أكثرية الشعب اللبناني لا تؤيد استراتيجيته وطروحاته، وفي النهاية لا يمكن تغيير الصيغة وفق مشيئته ومشيئة ايران، وإن استمر برفض الحياد، أكد البطريرك الراعي، أنه سيكون لكل حادث حديث، يعني هناك بدائل ستكون مطروحة، وكل هذه البدائل، ربما لن تعجب “الحزب” لأن المسيحيين يعتبرون أنفسهم جزءاً أساسياً مؤسساً لهذه الدولة، بل المكوّن الأقدم وجودياً وتاريخياً في هذا الكيان!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى