لبنان

عمائم الموت وعمائم السلام. (بقلم عمر سعيد)

 

أزمة العمامة في ما تحوي تحتها.
وهي بالتالي أشبه بطنجرة الضغط، انفجارها رهن بما تم حشوها به.

عمائم تسكن فوق الأرض وفي الأعالي وقمم الجبال، وأخرى تسكن سراديب ومخابىء رطبة لا تطالها شمس، وهنا نجد أن أزمة العمائم في الجغرافيا أيضًا.

عمائم تبشر بالحب والسلام، وعمائم تنشر الحقد والكراهية والموت.

عمائم يشهد لها تاريخها الوارثي بحجم القتلى والضحايا الذين خلفتهم تحت ظلال سيوفها، وعمائم يشهد لها دخان البخور المتعالي في فضائها، والشموع التي أضاءت أرجاءها بحجم المعجزات التي جلبها صفاء مسيرتها ونقاء صلاتها لكل الذين قصدوها راجين الخلاص.

فبين حبة البخور والطلقة، وبين شمعة الرجاء والقذيفة المضيئة ليلًا هوة عميقة تحول دون اللقاء بين عمائم الموت وعمائم السلام.

وقد يبدو للمراقب السطحي أن صناعة الطلقة والقذيفة أصعب، وتأثيرهما أشد من حبة البخور والشمعة.
غير أن البحث المعمق يؤكد أن صناعة حبة بخور واحدة تحتاج إلى إرث هائل من المعرفة بأنواع الحياة، والعطور والروائح، ذلك أن رسالة حبة البخور تبدأ من أكف الحب التي تصنعها إلى أكف السماء التي تتقبلها..
فيما نرى أن صناعة الطلقة والقذيفة تحتاج إلى حجم هائل من غريزة الدم والكراهية، لأن مسار الطلقة يبدأ من شهوة القتل على الزناد إلى ثقب الموت في حياة الضحية.

عمائم السلام ليست متوارثة، فالسلام حصيلة جهد وصلاة بين معارف المحبة وجسد يحملها، حصيلة إرادة نور توظف جسدًا فانٍ لإحياء أجساد تعاني اليباس.
عمائم السلام ليست نتاج أصالة نسب، لأن النسب النقي لا يعني بتاتًا نقاء الروح والإرادة، وهي بمتناول من يسعى إليها، بغض النظر عن أصالة دمه، لأن السلام لا تحققه الدماء الأصيلة والنقية، بل تصنعه مساعي الواعي بقيم الإنسان في الأرض.

وكم من عمامة تنقلت في صناديق الورثة عبر الجغرافيا والتاريخ، وقد عبدت طريقها بالدسائس والفتن، لتخلف وراءها مسيرة تاريخ من القتل والدماء والدمار.

فوق قمم وطني أكثر من عمامة سلام، عمائم من غيوم الله، تحمل الريح أمطار محبتها إلى كافة أرجاء الأرض.

عمائم السلام في وطني لا سيادة لها بغير الحب والفرح الذي تصنعه مسيرتها السلمية في الأرض.
يطوف حولها أولئك الباحثون عن رغيف عافية، وصحة وخلاص، أتوها بأرواح، ونوايا تشع بالسؤال، وبأبدان تبحث عن راحة وسلام.
تشرع أبوابها لهم، ولا تسأل أيًا منهم عن دين أو بلد، تصغي لسؤاله، ثم تسعى، وتحاول أن تلبي الإجابة.

لذا قد تهدد عمائم الموت عمائم السلام في الأرض، لكنها تنسى ولغبائها أن الطلقة مدنسة بالحقد وإن بلغت صدر الله، وأن حبة البخور مقدسة بالحب، وإن أشعلتها يد الشيطان.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى