لبنان

ما لغز كورونا في لبنان؟

كتب الدكتور سامي شريف في “اللبنانية”
منذ بداية العام ٢٠٢١، وبعد احتفال اللبنانيين برأس السنة، بدأت أرقام كورونا تطل على لبنان وتتصاعد حتى بدا لبنان، على الأقل إعلاميا، وكأنه من دول الصدارة في أزمة كورونا. واختلفت آراء اللبنايين بين مصدق ومكذب للتقارير اليومية التي تحمل أرقام الإصابات. فما هي الحقيقة؟

في بلد يرزخ فيه المواطن تحت حكم ثلة من الفاسدين، لا نلوم المواطن العادي عندما تتحكم الأهواء السياسية في آرائه. فلقد فقد معظم المواطنين اللبنانيين ثقتهم بكل أجهزة الدولة وأيقنوا أنهم سلبوا ليس فقط مدخراتهم، بل فقدوا ما هو أكثر من ذلك بكثير وهو الإطمئنان لمستقبلهم ومستقبل أولادهم. وأحاول جاهدا أن أبتعد عن ضوضاء نظريات المؤامرة، فأجمع الأرقام والوقائع عن كورونا وأرقامها الأخيرة في لبنان (وأنا المتخصص في رياضيات الإحصاء)، وأفضل ما أتوصل إليه هو مجموعة من الشكوك تتقاذفني يمينا ويسارا، حالي هو حال المواطن اللبناني العادي.

بدأت القصة منذ سهرة رأس السنة، فبعدها بأيام قليلة بدأنا نسمع في الإعلام عن جنون اللبنانيين واستهتارهم بجائحة كورونا. وسمعنا كيف أن عدد الإصابات سيزداد بعد تلك “الخطيئة”. على أساس أن اللبناني قبل رأس السنة كان ملتزما بالكمامة والتعقيم الدوري والتباعد الإجتماعي. وسؤالي الأول هو: هل يمكن لحفلة رأس السنة التي دامت ساعات معدودة أن تفجر الوضع في لبنان؟ إن حالة اللاإلتزام “بمعايير السلامة” دامت في لبنان منذ أن سمعنا بكورونا، فكيف للفيروس أن ينتشر بجنون وبشكل فجائي في كل المناطق اللبنانية إثر حفل دام لساعات، وذلك حتى في المناطق المحرومة التي تفضل النوم مبكرا على الإحتفال برأس السنة؟

فجأة توجه الناس (غير المبالين في الأمس القريب) إلى المختبرات للقيام بفحص ال PCR مثنى وثلاث ورباع للاطمئنان على وضعهم الصحي ووصل عدد المسحات إلى أكثر من ٣٠ ألف مسحة يوميا. حالة الهلع الفجائية هذه أنتجت ما يزيد عن ٦٠٠ ألف دولار يوميا (أي حوالي 18 مليون دولار في غضون شهر) إستفاد منها قطاع ما في لبنان. وفي ظل دولة فاسدة تسعى جاهدة إلى مص آخر قطرة من دم المواطن، أتساءل لو أن وصف هذه الحالة هي الهلع البريء أم التهليع الخبيث؟

ومن الملفت أيضا هو وضع المستشفيات. جدير بالذكر أن عدد الأسرة في مستشفيات لبنان هو حوالي ١٥ ألف سرير أي 3.2 سرير لكل ألف مواطن لبناني مما يجعل لبنان في المرتبة الأولى في العالم العربي (المصدر: منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي). إن عدد الحالات الحرجة الناتجة عن كورونا هو 938 حالة حتى تاريخ أمس ٢٨ يناير ٢٠٢١ ولا تتطلب كل هذه الحالات استخدام غرف العناية الفائقة. وهذا الرقم أقل بكثير من ١٥ ألف سرير في مستشفيات لبنان. بينما تشاع الأقوال عن مستشفيات لبنان التي بلغت حدها الأقصى لاستيعاب مرضى كورونا. إن هذه الحالة خلقت حالة أزمة عرض و طلب مزيفة مما ساهم في حالة الهلع أو التهليع في لبنان. ثم نسمع عن قبول مرضى كورونا القادرين على دفع تكاليف الإقامة في المستشفيات بأنفسهم وهذا دليل على القدرة الإستيعابية في المستشفيات وأن المشكلة إقتصادية مالية وليست مشكلة تخمة المستشفيات.

وهناك حالة من وضع اللائمة على المستشفيات لأنها تطلب مبلغ يتراوح ما بين ٣٠ و ٥٠ مليون ليرة (٣ الاف الى ٥ الاف دولار) لقبول حالات كورونا. فما الجديد هنا؟ هذا أمر معروف عن مستشفيات لبنان الخاصة حيث لا يقبلون أي حالة مرضية قبل دفع التكاليف الطبية سلفا. فلماذا تصوير المستشفيات وكأنها تقوم بهذه السياسة في حالات كورونا فقط وتغييب مسؤولية الدولة الفاشلة؟ وفي بلد مثل لبنان حيث الوزارة لا تدفع للمستشفيات الخاصة مستحقاتها بحيث أشرف العديد منها على الإفلاس، لا يمكن وضع اللائمة على المستشفيات فقط، تماما كما لا يمكن وضع أي لائمة على أصحاب البقاليات والأفران الذين لا يوزعون الأطعمة مجانا لمن لا يملكون المال خلال فترة الإقفال العام.

أما عن عدد الوفيات الذي بلغ ٧٠ حالة يوميا فيحق للمواطن أن يتساءل عن مدى دقة هذه الأرقام وخاصة أننا سمعنا في الماضي عن إعزاء سبب الوفاة، في لبنان والعالم، الى كورونا لمجرد أن المتوفى مصاب بكورونا. إن منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي يقومان بتقديم المساعدات للدول الفقيرة المصابة بجائحة كورونا. وأتساءل إذا كان لبنان بدأ يحصل على هذه المساعدات أم لا وأين تصب هذه المساعدات؟ لم نسمع عن هذا الموضوع حتى الآن فهل من مجيب؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى