لبنان

الاميركيون والسعوديون وجّهوا إنذارا لباريس: لا لبقاء”الستاتيكو” في لبنان وسعد الحريري غير مرغوب فيه!

رفعت الولايات المتحدة الاميركية غطاءها عن لبنان منذ أكثر من عام، وهذا ما ظهّره بوضوح مساعد وزير الخزانة الاميركية (السابق) مارشال بيلنغسلي في زياراته  المتواصلة الى لبنان بين عامي 2018 و2019، وكذلك مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شنكر: لم يعد استقرار لبنان أولوية للأميركيين لأنه يشكل غطاء مطمئنا لـ”حزب الله”.

ما بين المحورين الأميركي وحلفائه وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وبين المحور الإيراني وحلفائه وفي مقدمتهم سوريا خلاف جوهري ومنافسة حول الهوية السياسية والثقافية للبنان.

فهذا البلد الصغير طالما كان متوجها نحو الغرب بهويته العربية الناصعة، وكانت صدمة مريعة للدول العربية والخليجية وللولايات المتحدة الاميركية من اكتشافهم فجأة بأن لبنان تحول بوجهه الى ايران.

وزاد منسوب “الصدمة” (كما عبّر شينكر) من دعوات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أخيرا للتوجه شرقا نحو الصين، وهي بالأساس الخصم الأشد خطورة للولايات المتحدة الأميركية، ما دفع بديفيد شنكر الى توجيه أمر عمليات طارئ في مقابلة مع موقع “الهديل” قبل يوم من اجتماع الحوار في بعبدا رافضا أي توجه من هذا النوع في تهديد غير مبطّن للبنان، وهذا ما دفع “حلفاء” المحور الاميركي الى الاعتذار الواحد تلو الآخر عن حضور اجتماع بعبدا.

ليست كلمة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع والتي تحولت “تراند” على” تويتر” أمس عادية، حين قال:” يفلّوا والباقي علينا”. إنها الترجمة الشعبية للسياسة الاميركية القائمة حاليا، والتي عبّر عنها وزير الخارجية مايك بومبيو مرار من أن على لبنان اتخاذ مواقف واضحة ازاء سلاح المقاومة، فإما أن يتم انتشاله من الانهيار الشامل أو يموت كليا.

لا تجد الولايات المتحدة الأميركية أي فائدة من تغطية اعمال الحكومة اللبنانية الراهنة برئاسة حسان دياب، وأي إراحة لها تعني تخفيف القيود على “حزب الله” وحلفائه وهو أمر لم يعد مقبولا. وفي أحاديث الصالونات السياسية المختلفة لا سيما لشخصيات عليمة بالمزاج الاميركي فإن اجتماع بعبدا للحوار الوطني اليوم لم يكن سوى رغبة بإعادة الدعم لخط حزب الله وخصوصا وأنه لم تكن من أجندة واضحة لهذا الحوار

تذهب الأوساط العليمة الى القول بأن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يحظى بدعم حزب الله لم يعد مرغوبا بعودته الى الحكم لا أميركيا ولا سعوديا، وتشير هذه الأوساط الواسعة الاطلاع الى أن الحريري يعدّ العدّة لحكومة انقاذ في حال سقوط حكومة حسان دياب، وأنه كان لا يزال يحظى بمباركة فرنسية ليس من أجل شخصه بل انطلاقا من الرغبة الفرنسية بالحفاظ على “الستاتيكو” القائم في لبنان منعا للإنهيار الشامل.

إلا أن الأوساط الواسعة الاطلاع والموثوقة أشارت لموقع “مصدر دبلوماسي” الى أن الاميركيين أبلغوا الفرنسيين بشكل واضح عبر القنوات الدبلوماسية أولا بأن الحفاظ على الستاتيكو في لبنان لم يعد جائزا، وبالتالي فإن عودة الحريري ليس مرغوبا بها لأنه سيشكل عامل طمأنه لحزب الله وهذا ما ليس مرغوبا به. من جهتهم، ذهب السعوديون أبعد من ذلك بحسب الأوساط المذكورة،  إذ أبلغوا الفرنسيين عبر القنوات الدبلوماسية بأن أية تغطية فرنسية لعودة سعد الحريري والحفاظ على “الستاتيكو” القائم في لبنان وتغطية مشاريع “حزب الله” ستؤدي الى انسحاب أية استثمارات سعودية من فرنسا.

لا تتخذ باريس لغاية اليوم موقفا قاصما تجاه لبنان وهو موئلها الوحيد المتبقي في الشرق الأوسط بعد ان انتقلت سوريا تماما الى القبضة الروسية، لكن العارفين يشيرون الى أن الفرنسيين باتوا عاجزين عن مقاومة المحور الاميركي لوحدهم وخصوصا وأن اللبنانيين لم يساعدوهم في الحفاظ على الاستقرار القائم رافضين منذ عامين اجراء اية اصلاحات هيكلية في السياسة والاقتصاد طلبها مؤتمر “سيدر” وكذلك “المجموعة الدولية من أجل لبنان”، ويبدو بأن الفرنسيين باتوا مقتنعين  مثل الأميركيين بأن علاج الجسم اللبناني المهترئ فسادا بات من المستحيلات.

السيناريوهات المرسومة للبنان باتت كارثية، وهي لم تعد بحاجة لدول تحركها بل إن كرة ثلج الانهيار باتت تتدحرج لوحدها وعلى المستويات كلها، وتشير المعلومات الى أن ارتفاع الدولار الأميركي سيكون بلا سقف  وأن الغلاء الفاحش سيزداد وحشية. وتفيد الاجواء الى أن أيا من الدول العربية لن تسعى لانقاذ لبنان إلا بعد التزامه بأجندة سياسية واضحة تعيد اليه هويته العربية من جهة والغربية من جهة ثانية، كذلك فإن الدول الخليجية التي قد تساعد لبنان لن تقبل مساعدته مجانا بل ستشترط أن تكون شريكا في أي مشروع تموله فيكون لها اطلالة استراتيجية على المياه الدافئة في البحر الابيض المتوسط.

أما صندوق النقد الدولي الموجه أميركيا بطبيعة الحال فإنه سيصر على الشروط التي وضعها وفي مقدمتها اغلاق الحدود مع سوريا منعا للتهريب وهو عمليا شرط سياسي هدفه وقف أية عائدات لحزب الله.

بالمختصر فإن مقولة “أم الصبي” التي كانت تعتمدها فرنسا وعدد من الدول الصديقة باتت ممنوعة اميركيا  إذ اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية بأنه لم يتبق لها سوى ورقة الاقتصاد لتقتلع فيها “حزب الله”، فالليرة اللبنانية خسرت لغاية اليوم 80 في المئة من قيمتها والأمر مرشح للتفاقم. يقول أحد الخبراء الاقتصاديين المستقلين بأن “الغرغرينا” ضربت الجسم اللبناني وعملية القطع لا بدّ منها، لكن على هذه الطبقة السياسية أن تقتنع بعملية القطع المبكر كي لا يصل الالتهاب الى القلب فيموت المريض وهو في هذه الحالة لبنان.

يبدو بأن الفرنسيين باتوا مقتنعين مثل الأميركيين بأن علاج الجسم اللبناني المهترئ فسادا بات من المستحيلات

من هنا يمكن تفسير كلام جعجع:” فليذهبوا والباقي علينا” أي أن الطبقة السياسية  بتحالفاتها كلها مع ايران ومع الصين وروسيا وبأدائها الداخلي والفساد الذي انغمست به حتى العظم مطلوب تغييرها كلها أميركيا، أو أن تدمير لبنان صار هدفا أساسيا للأميركيين ولحلفائهم تمهيدا لبناء لبنان الجديد.

موقع “مصدر دبلوماسي” – مارلين خليفة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى