اخبار العالم

عون يطالب ميقاتي بتنازلات… الحكومة متوقفة على حسم التوازنات ولا ضمانات دولية!

ابراهيم حيدر – النهار

تشير الأزمات التي تعصف بلبنان والحركة الدولية المواكبة للوضع السياسي إلى أن المعضلة باتت أكبر من تشكيل الحكومة. الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يسعى إلى تشكيل سريع لكنه يصطدم بالتعقيدات الداخلية والدولية التي يبدو أنها لا تعطيه قوة دفع ولا تغطيه لتذليل العقبات وتجاوز الصعوبات، على عكس ما أوحى به عند تكليفه بأن لديه ضمانات دولية. المؤشر الأول للتعقيدات الكامنة داخلياً هو استبعاد تشكيل الحكومة قبل الرابع من آب الجاري، وهو موقف أعلنه ميقاتي نفسه، ما يشير إلى السلبية القائمة في المباحثات بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون واستحكام الخلافات حول التشكيل، علماً أنه لو تم الاتفاق قبل انعقاد المؤتمر الدولي الذي دعت إليه باريس في الرابع من آب لمساعدة لبنان، لكانت الأمور ستأخذ مساراً مختلفاً باستثمار الفرصة الدولية، فإذا بدول الاتحاد الأوروبي تُقر اتفاق إطار قانوني لفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، وهو ما يعني أن عملية التشكيل أكثر تعقيداً وقد تفتح على إمكان البحث في النظام، فيما يواجه ميقاتي المصير نفسه الذي أدى بالرئيس سعد الحريري إلى الاعتذار.

وعلى الرغم من اللقاءات شبه اليومية بين عون وميقاتي، إلا أن التوافق حول تشكيل الحكومة لم يصل إلى أي نتائج إيجابية. وهذا يعني أن البحث قد يأخذ وقتاً أطول، وهو ينطلق جدياً بعد مؤتمر الدعم في 4 آب الجاري وفق مصدر سياسي متابع، وذلك بعد تحديد الوجهة الدولية وحجم الدعم والدول التي ستشارك وتقييم مواقفها وتوجهاتها، خصوصاً السعودية والولايات المتحدة، باعتبار أن باريس هي الجهة الداعية للمؤتمر، لكنها لا تملك وحدها القوة وعناصر الدفع للضغط نحو تشكيل الحكومة أو إعادة صياغة النظام السياسي، وكذلك المساعدات التي ستقررها الدول وما إذا كانت للدولة اللبنانية أو تحت اشراف المجتمع الدولي وكيفية توزيعها. والامر وفق المصدر السياسي لا يقتصر أيضاً على المؤتمر، فهناك ملفات مرتبطة بالمنطقة تؤثر في عملية تشكيل الحكومة منها التجديد لقوات (اليونيفل) في الجنوب وكذلك العقوبات الأوروبية المحتملة، ثم النقاشات التي تجريها لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي، وكلها ملفات تضع “حزب الله” في الواجهة.

وأياً تكن وجهة الحركة الدولية تجاه لبنان، فإن المشكلة الداخلية تبقى اساسية، فعمل الرئيس المكلف لانجاز التشكيلة واقتراح أسماء وتوزيع الحقائب لا يسير وفق المخطط الذي وضعه ميقاتي مع استمرار الخلاف مع عون حول حقيبتي العدل والداخلية ورفض الاخير اقتراح تعيين وزيرين مستقلين لهما. الخلاف بين الرئيسين لا يقتصر على هذه النقطة، إذ يبدو وفق المصدر السياسي أنه أكبر من ذلك بكثير، ولا يمكن تجاوزه إلا بتنازلات كبرى، إما من عون وإما من ميقاتي، وهو أمر غير متاح حالياً لاعتبارات لها علاقة بمراكز القوى والهيمنة والامساك بالقرار، وهذا يعني أنهما غير قادرين حتى الآن على انتاج تسوية وإزالة التناقضات من أمام تشكيل الحكومة. وعلى هذا يفيد المصدر أن ميقاتي بدأ يواجه التعقيدات ذاتها التي واجهها الحريري، فهو وبعد ايام على تكليفه ومن اللقاء الأول اكتشف أن عون يريد الإمساك بالحكومة وتغيير موازين القوى، وفرض صلاحيات الأمر الواقع، فهو يعتبر أن اعتذار الحريري يصب في وجهة نظره ومشروعه وشروطه للحكومة، ولن يتخلى عما يعتبره نصراً يسمح بتغيير النظام الاقتصادي والمالي، وفرض حصة وازنة للتيار الوطني الحرّ وكذلك لـ”حزب الله” بما يتناسب مع فائض قوته وتأثيره السياسي انطلاقاً من التحالف القائم بينهما، وذلك على الرغم من أن “الحزب” سمى ميقاتي في الاستشارات لكن هذا الأمر لا ينسحب على مفاوضات التشكيل.

انطلاقاً من ذلك، يحتاج نجيب ميقاتي إلى كثير من الوقت لتذليل العقبات للتشكيل، وإذا لم يأخذ بالاعتبار طبيعة الحركة الدولية، إلى المشكلات الداخلية، لن يكون في إمكانه العبور الى بر الأمان، أي التشكيل وخوض غمار الاصلاحات غير الممكنة اذا لم تتشكل حكومة اصلاحات انقاذية بعيداً من الشروط والاستعصاءات والمحاصصات. فأي مباحثات يجب أن تأخذ بالاعتبار أن هناك دولاً لديها مشكلات مع “حزب الله”، فيما الملف اللبناني كله مرتبط إلى حد بعيد بنتائج المفاوضات الإيرانية – الأميركية حول الملف النووي، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وعلى وقع الصراع بين المحاور في المنطقة، تسعى قوى سياسية في الداخل وأبرزها التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل و”حزب الله” للإمساك بمفاصل النظام ولا مشكلة بالنسبة إليهما تغيير النظام وكسر الصيغة التي قام عليها اتفاق الطائف، فيما قوى أخرى تتمسك بإعادة انتاجه اقله بالتسوية لعبور هذه المرحلة الصعبة. ولدى كل القوى السياسية والطائفية هاجس إعادة تعويم نفسها وانقاذ وضعها خصوصاً التحالف الحاكم وفي مقدمه ميشال عون وجبران باسيل عبر التشدد وحسم موضوع الصلاحيات، وتجيير الانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل لمصلحة الطرف الحاكم.

المسار العام لمباحثات تشكيل حكومة، لا يشير الى أن العملية سهلة وممكنة، ولا يبدو أن هناك تغييراً في المقاربة العامة للخروج من المأزق، فيما المسؤولية المباشرة يتحملها وفق المصدر السياسي بالدرجة الأولى رئيس الجمهورية الذي لا يزال يضع شروطاً قاسية في مسألة الثلث المعطل ويحاول الإمساك بوزارات أساسية تتحكم بالانتخابات النيابية، ومنها حسم الموضوع الرئاسي لجبران باسيل. وفي المقابل، يتحمل “حزب الله” مسؤولية في ما يتعلق بالوضع الراهن، وعلاقته بالوضع الإقليمي، إذ إن تدخلاته الخارجية انعكست داخلياً على المسار الحكومي اللبناني، فضلاً عن رفض المجتمع الدولي والعربي أن يكون مشاركاً ومقرراً فيها. والخطورة تكمن اليوم في الطريقة التي تدار فيها العملية، فمحاولات فرض أعراف جديدة في البلد، في تأليف الحكومة وغيرها، وفرض أجندات باتت واقعاً، حيث تتلاقى كل القوى السياسية والطائفية على تكريس الهيمنة داخل الطوائف وإبراز دور الأقوياء فيها، وهو ما يضرب كل الصيغة والدستور، وهي تتهرب من مسؤولياتها وتحيل أصل المشكلة إلى النظام السياسي، فإذا بقوى تساهم في التعطيل وتفرض الشروط وتكرّس أعراف الأمر الواقع، تحاول النجاة من المحاسبة عن إيصال البلد إلى هذه المرحلة المفصلية الخطيرة من تاريخه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى