تحت المجهر

ما هي العونية؟

حازم الامين – الحرة

العونية عارض نفسي وليست تيارا أو خيارا سياسيا. الأطوار التي مرت بها العونية يحتاج تفسيرها إلى عيادة. أنت عوني، إذا أنت رجل على هذا القدر من الانفصال عن نفسك وعما تعرف وتدرك. عليك أيها الرجل، أيها العوني، أن تضع نفسك في موقع الشتم في أي لحظة. عليك أن تخوض المعركة غير العادلة، وعليك ألا تكون خاسرا حتى لو تطلب الأمر بذل نفسك وكرامتك ومعرفتك.

من أنت إذا أيها الرجل العوني، وأيتها المرأة العونية؟ من أين ولدت؟ ومن ألف كل هذه الأخطاء وجمع كل هذه المصادفات؟ ما يجري اليوم في لبنان يدفع إلى الذهول! يمكن للمرء أن يحدد أصعب الظواهر، وأن يفكك أعقد الوجوه، لكنه سيفشل في رسم وجه للرجل العوني.

قلنا ذات يومٍ إن العوني اللبناني هو المسيحي العادي، لكن هذا الأخير خلع القناع وانضم إلى التظاهرة. غادر التيار مخلفا وراءه ظله الثقيل. العوني إذا هو الظل الثقيل الذي غادره صاحبه! لا، هذا ليس دقيقا، ذاك أن في الظل رشاقة غير متوفرة في الرجل العوني. ربما كان الأخير كائنا غير اجتماعي وغير سياسي. كائن قادم من العيادة. لكن ذلك يدفع إلى نوع من العجز ومن اليأس. فهل يصح أن كل هؤلاء الناس هم أهل عيادات! علينا إذا أن نكف عن الدهشة وأن نواصل محاولات التفسير.

من هو العوني؟ ومن هم هؤلاء الذين استدعاهم النائب زياد أسود لنجدته في المطعم الذي حاصره فيه الثوار؟ أن نعرف من هم كاف لكي تنتصر ثورتنا. من أنتم؟ هل صحيح أنكم فقراء مثلنا، وأن المصارف حجزت رواتبكم مثلما فعلت بنا؟ لماذا أنتم حانقون على الشاب الطرابلسي الذي قدم إلى كسروان؟ هل شعرتم فعلا بخطر تغير ديموغرافي جراء قدومه؟ ولماذا تشعرون بالحاجة إلى جلد فقير مثلكم؟

المشهد ليس سياسيا. هذه الحاجة لضرب الفقير ليست لتصريف ضيق سياسي. علينا العودة إلى العيادة. علينا أن نستخرج جوابا من هزيمة عميقة وغائرة في وجوه المعتدين. العونية ومنذ اشتغالها الأول كانت تعني أن يصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية، فقط لا غير. “حزب الله” حقق لها الهدف. لكنه لم ينتزع شعورا غائرا بالهزيمة.

ميشال عون شغل الكرسي لكنه لم يردم الهوة بين العوني وبين نفسه. واصل الرجل غضبه على نفسه وصارت الرئاسة مرآة الهزيمة. الرئاسة لن تكتمل طالما أن صهرا لا يصلح لها! التجربة أثبتت أن المهمة تقتضي مزيدا من المهانة، ومن فقدان التوازن. مزيدا من الابتذال ومن إضعاف متواصل للنفس وللكرامة. يجب أن تُعَبد الطريق إلى الكرسي بقناعة أننا حيال رجل فقد نفسه، وامرأة فقدت نفسها، ومن مشاهد متواصلة لنائب في البرلمان يصفع رجلا فقيرا.

تصلح العونية لنصوص غير قابلة للتفكيك. لأفكار لا يجمع بينها سوى عيادة. “وحدك حرامية” قال النائب العوني لمتظاهرة في الوسط التجاري! وقال زميله لثوار قدموا للاحتجاج عليه في المطعم: “خلص المزح”. هاتان عبارتان مفتاحيتان لـ”الأيديولوجية” العونية، نعم أيديولوجية، فهي تقيم في ذلك المكان الذي تقصده الأيديولوجية حين يصيب الفصام صاحبها.

العونية في ذروة تجليها الذهني هي اشتباك بالأيدي بين رجلين عاديين. وحين يعود الرجلان إلى هدوئهما ويعتذرا من بعضهما بعضا يغادران عونيتهما. يقتضي استمرار العونية استمرارا للاشتباك.

النائب زياد أسود كرر ذهابه إلى المطعم في اليوم الثاني خوفا من أن يشفى من عونيته. عليك أن تواصل بذل نفسك، قال له الرجل العوني الذي استيقظ معه في الصباح، فحمل هاتفه ونظم عشاء ثانيا.

لا يمكن تصور العونية إلا بصفتها حالة تَعقبْ فضيحة. بعد المقابلة التلفزيونية التي أجراها جبران باسيل في دافوس اشتد عصب العونية. حين قالت له الديبلوماسية الهولندية إنه لا يحق لها أن تأتي إلى المؤتمر بطائرة خاصة، كان العونيون من أنصاره في منازلهم ضجرون، وكانت عونيتهم في حال ارتخاء وتفكك وأمام احتمالات ذواء.

وفي هذه اللحظة أيقظ رئيس التيار عونيتهم، وأعادها إلى صوابها. زياد أسود كرر الفعلة مرتين في مطعم في المتن الشمالي وفي مطعم آخر في كسروان. أما النائب سليم عون الذي رد على المتظاهرة بعبارة “وحدك حرامية” فكان صوته خفيضا وعابرا ولم يصل إلى عمق النفس العونية، وها هو اليوم يبحث اليوم عن فرصة لتصويب ضعف عبارته.

الأرجح أننا نُبدد وقتنا في سعينا لتفسير العونية، فالأخيرة هي “لا شيء” هي الرجل حين يرتكب خطأ عاديا، وهذا ما نفعله كل يوم مرات كثيرة. ربما كان ذلك هو مصدر قوة العونيين. أي أنهم تمكنوا من تحويل الأخطاء والسقطات اليومية والعادية إلى تيار سياسي. والمأساة الفعلية هي في مكان آخر. المأساة هي أن “حزب الله” قرر أنها أداته لحكمنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى