تحت المجهر

الحكم باسم الإسلام احتلال. (بقلم عمر سعيد)

حين وصل الإسكند الكبير إلى مصر ، وبعد أن طرد الفرس منها ، قصد معبد آمون بسيوة ، فسجد له الكهنة ..
وعندما عاد إلى بلاده ، وطلب من شعبه أن يسجدوا له كما فعل المصريون ، أجابوه :
عليك ان تكتفي بألوهيتك على مصر .

و عندما أراد نابليون احتلال مصر أرسل رسالة باللغة العربية بدأها بالبسملة ، وضمنها إعجابه بشخصية النبي محمد ، ورغبته بإشهار إسلامه بعد دخوله مصر ، لذلك انتظرته عند قدومه مواكب من المشايخ ورجال الدين ..

ويروى أن الرئيس اليمني عبدالله السلال كان يودع جمهوره عند مدخل البناية ، ويركب المصعد ، ليطل عليهم من فوق سطحها ملوحاً ، غارساً فيهم فكرة أنه من ذوي الكرامات ، ليقدسوه ، دون أن يطلع شعبه على اختراع المصعد الذي كان يقله إلى السطح .

ولقد وصف محمد الفسيل حكم ملوك المتوكلية في اليمن والمعروف بحكم الإمام خاصة فترة الإمام حميد الدين بالاستبداد الذي طمس القدرة على التفكير إلا في إطار تقديس الإمام ، إذ أخضع اليمن بالقوة والإستغلال الديني والقمع ، فكانت مملكته معزولة عن العالم، تفتقر لأبسط البنى التحتية.

هذا ما اتصفت به تجارب كل الأحزاب والثورات الدينية في التاريخ ، حيث اعتُمِد الكذب والتضليل المتعمد لتفريغ العقل من أبسط مقومات التفكير ..
فلطالم حصر الحكام الذين امتطوا الدين – لبلوغ السيادة – المعركة بين الله وإبليس ..
فشيطنوا أعداءهم وقدسوا قوانينهم ومواقفهم وحكمهم ، واعتمدوا لأنفسهم شكل الضحية المهددة بالتآمر في كل لحظة لخلق التعاطف مع سلطتهم وشخصهم الحاكم .

ولقد تم توزيع جوازات سفر ومفاتيح إلى الجنة في الحرب التي دارت بين العراق وإيران على مقاتلي إيران .
وتم وصف المعادين لولاية الفقيه في إيران بالخنازير والملاحدة والشيطان الأكبر بهدف شرعنة القتل والتحريض عليه و زج العوام فيه.

و ما ظهور التهديد بمحاكمة المتظاهرين في إيران بجرم الاعتداء على الله، إلا شكلا من أشكال التضليل ، من زاوية أن الحكم هناك لولاية الفقيه وكيل الله في الأرض ، وليس البلاد فقط ، لدى تلك السلطة الدينية التي تدعي ولايتها من الله .

ولإضفاء مزيد من القدسية على شخصية خامنئي مرشد الثورة الإسلامية في إيران ، يُجَلس في سيارة ، ثم يسلط على وجهه نور من مصباح يعكس ضوءه على سطح قصديري في سقف السيارة ، ليبدو أنه من أصحاب الوجوه التي يسكنها نور الله ..

منذ ١٧ تشرين أول تعرضت ثورة لبنان منذ بدايتها إلى تهم لا تعد ولا تحصى بهدف شيطنتها ، ابتداء من تهمة تمويلها من قبل سفارات ، إلى تهمة الأيادي الخفية ، فالغرف السوداء ، فالمجون عبر استقدام راقصة بكل سوء نية لترقص في ساحات الحرية من قبل أعوان السلطة ، إلى تهمة أنها ثورة تهدف إلى شرعنة زواج المثليين .
كل هذه التهم ومثيلاتها تصدر عن خطاب ديني معروف ، يهدف إلى التضليل الذي لا يتكون إلا عن غياب وقصور الحجج ، واعتماد الذهنيات الصبيانية التي تظهر كل حقدها على من ذكرها بتقصيرها وعجزها عن أداء واجباتها .

ولكن يفوت كل تلك العقليات التي تطلق التهم القاتلة بحق ثورتنا ، أن ثورتنا أتت في زمن ليس كأزمنة سابقاتها ..
فهي اليوم ثورة محصنة بعقول تتقن التمحيص ، والتقصي والبحث ، وتتجنب العفوية بكل إمكانياتها ، لأنها ثورة الجيل الذي لا يرتجل .
جيل يعي ويعرف أن الثورات التي تنشد الإنتصار تعرف الثمن الذي عليها أن تدفعه .

عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى