تحت المجهر

إلى سعد الحريري (بقلم عمر سعيد)


من تسقط كلمته تسقط مواقفه..
ومن يسقط صوته يسقط كيانه كله..
قالها أنيس منصور معكوسة حين قال:
” من يقرأ لا يمكن أن يُهزَم ”
لو استطاع أبوك الشهيد أن يعود، ليجول في أروقة ومكاتب جريدته المستقبل ، لأدرك أن أقل الموت موت الجسد..
ولو أنه جلس في غرفته الخاصة ، وأمسك بالريموت كونترول ، وراح يفتش عن قناته التي أرادها زرقاء بلون الأمل ، غير أنها بعد موته اخذت تفقد بريقها ، حتى انطفأت، لأدرك وجع نلسن مانديلا وهو يقول :
” إنه لشرف عظيم أن يكون الرجل أباً للأمة ، غير ان السعادة الحقيقية أن يكون الرجل أباً لأبنائه ”

لقد قمت اليوم يا دولة الرئيس بنعي أبيك الذي رفض كل لبناني حالم طموح إعلان موته ، وقد شيعه بالجرح في الروح ، لا بالدموع..

لو أنك فقط سألته قبل الرحيل : لم أراد جريدته زرقاء ؟!
لقرأت في عينيه كل معاناته يوم كان يشبه بتفاصيله اليومية كل أبناء الوطن ..
عاملاً في بساتين التفاح في سهل تعنايل ، بحذاء ليس حذاء ، لكنه كان بإرادة تضيق بها مساحة وطن الشهيد بشير الجميل ..
مغترباً فوق رمال الخليج ، يفتش عن نافذة يطل منها أهله على الدنيا، ويظل يحلم بالبلاد ..

ولو أنك أصغيت لتلك الإعلانات ، تغنى بملامح الناس ، لعرفت ما فعل :
” البلد ماشي ، والشغل ماشي ، ولا يهمك ”
ولو أنك استعدت للحظة صرخة سحر الخطيب ، فقط للحظة !

لم يكن يهمُ أباك إلا أحلام الفقراء ، لذا نشر فريقه في شرايين الوطن ، يوزع القبولات الجامعية قوتاً على موائد الأسر المعدومة..

لقد صار أبوك اليوم أحق منك بالكاء يا سعد ، فأصعب الموت موت بلا بواكي ..
وأقسى الموتِ موتُ آثارِ الرجال الرجال ..
راح المستقبل ، راح بريقه ، جريدته ، قناته ، ثورة الناس المحتارة بين الغضب على قتلة أبيك والغضب على عجزك المكلف ..

آه يا سعد الدين لو كنت تنزل إلى بيوت الناس لترى ملامح الوجوه التي اكتست بالخيبة ..
وآه لو أنك سمعتَ الهمسَ بالفجيعة ..
لكنه إرثك الذي ورثته بمحبة الأوفياء ، قد ضيعته بحماقة البلهاء ..

لقد استحق أبوك الكبير لقب الشيخ ، والدولة والثري المعطاء ، والشهيد الوفي ..
وماذا صنعت بها جميعها؟
لم تعصمك شهادة أبيك عن الخطأ والخطيئة، وها انت قد ضيعت كل شيء ..

حزين أنا .. نعم أنا حزين على من علم أبناء الفقراء والمساكين كيف يكونون حاضرين على خارطة النجاح و المسؤولية والسياسة والعلوم.

لم يحتمل هملت جرحه بأبيه ، حتى من أمه .. فكيف يمكننا نحن أبناء هذا الوطن احتمال كل جراح خلفتها في أبيك وفينا والوطن بعد موته ؟

و أعود لأقول :
لو أنك فقط جربت البقاء مع الناس وإلى جانبهم ، و شكوت لهم العسر ، لرأيت بعينك كيف تبيعُ الحُرة شعرَها وذهبَها لتفتديك ، ولرأيت كيف يبيع فقيرهم ألعاب أطفاله، وكل ما يباع، ليبقيك متين الثوابت..
لكنك استبدلت نقاءهم ووفاءهم بثعالب أكلت الكرمة والكرام، وركبت قطار الذين سبقوك إلى السلطة لا إلى الوطن ..
خجل أنا من تاريخي كلما تذكرت مطبعة بونابارت تشهد علينا ، وقد تخلينا نحن عن رسالة شهيد بحجم سيادة والنور والعلم والمعرفة والرحمة والإنسان.
فاعذرنا أبا بهاء ، ما عاد فينا من وفائك لنا شيء !

عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى