تحت المجهرلبنان

كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان… الجزء الثاني

حزيران 2023 – العدد 136
سمارة قزي وحنين غدار… ترجمة صوفي شماس

البنك المركزي والصرافون والأحزاب السياسية
من الناحية العملية، لا يدفع البنك المركزي عادة عمولات لشركات التحويلات مقابل تحصيل دولارات التجزئة. لكن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وجد طريقة ليستولي على التحويلات، أو “الدولارات الجديدة” من الخارج، من خلال العمل مع هذه الشركات كما لو كانت وكالات صرف للعملات الأجنبية. كان الترخيص لوكلاء Western Union لتحويل الدولار الأميركي تلقائيًا إلى الليرة اللبنانية يضمن احتفاظ OMT و BoB Finance بأرصدة كبيرة بالدولار، وكان الوكلاء يحصلون على عمولات تصل إلى 3.8 بالمائة من مصرف لبنان عن كل دولار، مع تفاوت مبالغ العمولات بين OMT و BoB Finance و CTEX، ويتم التفاوض عليها يوميًا من خلال رسائل WhatsApp مع الحاكم نفسه الذي أفادت مصادر أنه يفضل شركة OMT لأن أبو زيد كان أحد الممولين الرئيسيين لجبران باسيل، تليهاCTEX المملوكة من حسن مقلّد – الذي تبين لاحقًا أنه يمول حزب الله، وأدرجته وزارة الخزانة على قائمة العقوبات في كانون الثاني 2023.
بعد إدراج مقلّد على قائمة العقوبات، تم استبدال مقلّد فعليًا بسالم خليل، وهو كاتب عدل عمل كمشتري رئيسي للدولار في السوق السوداء لمؤسسة تُسمى بنك الائتمان التي قامت بعد ذلك بتزويد مصرف لبنان بالدولار. كان خليل أيضًا المشتري الرئيسي خلال الأزمة المصرفية لما يُسمى بشيكات المودعين، وهو ترتيب يقوم بموجبه أصحاب الحسابات اليائسون، لإنقاذ جزء من مدخراتهم، بصرفها في صفقات غير مواتية للغاية. مقلّد، منذ إدراجه على القائمة السوداء، هو الجامع الرئيسي للدولار لمصرف لبنان. ويصادف أن يكون خليل أيضًا صديقًا مقربًا لمحمد حمدون، نائب المدير العام السابق للبنك اللبناني الكندي المدرج حاليًا على قائمة العقوبات.
منعت القيود الأميركية حزب الله من إدارة مصارفه الخاصة، لذا بنى الحزب شبكة من مكاتب الصرف الأجنبي التي يديرها الشيعة المقرّبون من حزب الله أو حركة أمل. وأصبحت شبكة الصرف الأجنبي الناشئة هي الأكبر في لبنان، وتضم عددًا قليلاً من المؤسسات المرخصة من قبل البنك المركزي، وتتعامل الشركات التابعة لها نقدًا فقط، بما يتماشى مع الممارسة السائدة لحزب الله في سياسة اقتصاد الظل.
حين قصّرت شركتا OMT و BoB Finance عن تحصيل الدولارات التي حاول مصرف لبنان تأمينها، لجأتا إلى السوق السوداء ودور الصرف الأجنبي لسد الفجوة. فقامتا بإجراء مشترياتهما من خلال مجموعات WhatsApp، قام وكلائها بتسليم الدولارات نقدًا. ازدهرت هذه الأعمال القائمة على النقد حيث تسبب التخلّف عن السداد في أن تصبح أمة بأكملها “لا تتعامل مع المصارف”. في هذه الأثناء، فتحت OMT المزيد من الفروع غير المرخصة وغير خاضعة للرقابة، وسهّلت الرشاوى لمسؤولي مصرف لبنان من أجل غضّ الطرف عن ممارسات الترخيص غير الشرعية.
كان المخطط بأكمله مبنيًا على معرفة مسبقة من قبل مشغلي مكاتب الصرافة بأن مصرف لبنان على وشك شراء دولارات سوق التجزئة من خلال OMT وBoB Finance – و CTEX قبل إدراجها على قائمة العقوبات. ما سيتبع ذلك كان تمرينًا معروفًا في الأسواق المالية باسم “التداول المسبق”، أو رفع سعر صرف الدولار بشكل سريع لزيادة الربحية. فبلغ إجمالي التحويلات إلى لبنان في العام 2022، 6.84 مليار دولار، حيث تراوحت في السوق السوداء، وفقًا لمصادر داخل هذه الشبكة، بين 40 و50 مليون دولار أميركي أسبوعيًا، كان يتم تداولها في الغالب على WhatsApp.
تتعامل شركة Whish Money، رابع لاعب رئيسي في الاقتصاد النقدي في لبنان، إلى حد كبير مع عمليات تحويل الأموال عبر الإنترنت، المعروفة أيضًا بالتحويلات الداخلية. يملك الشركة توفيق كوسا، سوري يُقال إنه مقرّب من محمد سامر أفدار، الذي كان يدير شركة مماثلة في سوريا، وشهوان معوض، المرتبط بالمرشح للرئاسة اللبنانية وحليف الأسد سليمان فرنجية، والذي شغل سابقًا منصب رئيس بلدية زغرتا معقل فرنجية. تسمح Whish Money حاليًا لشركات القطاع الخاص بدفع أجور الموظفين من خلال شبكتها، وحازت على ترخيص المحفظة الرقمية من البنك المركزي. وفي غياب المراقبين أو القوانين، بدأت بقبول الودائع وحسابات الإيداع أيضًا.
في الاقتصاد النقدي اللبناني، يتحكم حلفاء حزب الله المسيحيون بخدمات التحويلات الخارجية والعملة الصعبة القادمة من الخارج، بينما يدير حزب الله وحركة أمل مكاتب الصرافة، ويخضع سوق التحويل الداخلي الذي يتعامل بشكل أساسي مع المدفوعات للوزارات الحكومية لسيطرة رئيس بلدية زغرتا السابق معوض. يضمن هذا الإعداد ثلاثي الاتجاهات الصحة المالية لمحور حزب الله – أمل – باسيل – والذي يعتمد بدوره على مصرف لبنان، المسهّل لعملية فاسدة للغاية، ووزارة المالية، الجهة المحصلة للمدفوعات وموزعة العقود على شركات التحويل الداخلي.

التعميم 165: جهد مشكوك فيه من مصرف لبنان للسيطرة على الاقتصاد النقدي
في المشهد الحالي، سعى مصرف لبنان المركزي إلى إعادة تكوين احتياطياته من خلال جمع دولارات التحويلات الواردة، ومن خلال مكاتب الصرف الأجنبي، شراء دولارات التجزئة المتداولة في السوق. ورغم ذلك، بقيت “الدولارات الجديدة” من المصارف – أي الدولارات “الحقيقية” المحتفظ بها لدى المصارف المتطابقة في الخارج إضافة إلى الدولارات النقدية في خزائنها – بعيدة المنال، نظرًا لانعدام الثقة بمصرف لبنان منذ اختفاء ودائع البنك المركزي بالدولار في العام 2020. لهذا السبب، أصدر مصرف لبنان، في 19 نيسان 2023، التعميم رقم 165، يطلب فيه من المصارف فتح حسابات بالدولار لدى البنك المركزي للسماح بمقاصة المعاملات بالدولار محليًا. (تجدر الإشارة إلى أنه تم تطبيق مثل هذا الترتيب قبل الأزمة أيضًا، حين تم تحويل الدولارات من المصارف والمودعين في مصرف لبنان إلى دولارات “محلية”، أو “لولار”، عملة زائفة يقبلها عدد أقل وأقل من الشركات نظرًا لتضاؤل فرص الوصول إلى القطاع المصرفي اللبناني. من الناحية العملية، هذا يعني أنه إن كان عميل المصرف “أ” يحوّل الدولارات إلى عميل المصرف “ب”، فإن البنك المركزي اللبناني سوف يقوم بتسوية وتصفية المعاملة مباشرة عن طريق حسم الدولار الجديد من حساب المصرف “أ” وإضافته إلى حساب المصرف “ب” – بدلاً من جعل المصرفين المتطابقين في الخارج ينجزان العملية، كما يحدث الآن بالدولار الجديد.
الهدف من المنشور 165، وفقًا لمصرف لبنان، هو تقييد الاقتصاد النقدي بالدولار وإعادة بعض تلك الأموال النقدية إلى النظام المصرفي. ولكن بالنظر إلى المصادر المشكوك فيها أحيانًا بالدولارات النقدية، فإن إعادة تدوير هذه الأموال القذرة المحتملة إلى النظام ليست الحل الأمثل. على عكس ذلك، إنه قد يسهّل بالفعل غسل الأموال، وفقًا لنشطاء وبعض المصرفيين البارزين، الذين أعربوا عن اعتراضهم على التعميم رقم 165. وبدون إشراف من المصارف المتطابقة في الخارج، يمكن للجهات الفاعلة إخفاء غسيل الأموال والمعاملات المشبوهة بسهولة أكبر عبر تسوية محلية.
إذن، لا يملك المصرف “ب” – بأخذ المثال السابق – أي طريقة لمعرفة أصول أموال عميل المصرف “أ”، أو إن كان إيداعًا نقديًا، خاصةً إن كان المصرف “أ” مصرفًا أصغر حجمًا وليس له مصرف متطابق أجنبي. في السنوات الأخيرة، تم أحيانًا إيداع مبالغ نقدية كبيرة في المصارف اللبنانية. وإن تمت مقاصة هذه الدولارات محليًا في مصرف لبنان، فلن يكون لدى المصارف سبب للخوف من أن يتم حظر العملية في الطرف الآخر نظرًا للتراخي في إنفاذ القانون ودور حزب الله الفاسد، مما قد يعطي حافزًا أكبر للمعاملات المريبة. إضافة إلى ذلك، سيكون لدى المصارف الصغيرة، التي لا تستطيع الامتثال لمتطلبات المؤسسات المتطابقة، وقت أسهل في التعامل بالمعاملات النقدية الكبيرة بالدولار إن تمت مقاصتها محليًا.
رأى آخرون في تعميم مصرف لبنان خطوة يائسة لإعادة بناء احتياطياته من خلال محاصرة الدولارات الجديدة. في الواقع، بهذه الطريقة اختفت أموال المودعين في مصرف لبنان قبل الأزمة. لذا – وما لم يحصل مصرف لبنان على اعتراض من وزارة الخزانة الأميركية على آلية المقاصة المحلية هذه للدولار الجديد – فمن المحتمل أن يخلق مشاكل مقلقة أكثر من الاقتصاد النقدي الكبيربالدولار الذي يزعم أنه يسعى للحد منه.

الجزء الأول

كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان _ الجزء الرابع

الجزء الثالث

كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان _ الجزء الرابع

الجزء الرابع

كيف يستفيد حزب الله من الأزمة المالية في لبنان _ الجزء الرابع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى