تحت المجهر

متى نحذف كلمة شقيقة من القاموس السياسي العربي؟

كتب عبدالله بن بخيت في صحيفة عكاظ السعودية

زمن التحرر من الاستعمار في الخمسينات والستينات دارت ثم ترسخت مجموعة من المصطلحات في معظمها تعبّر عن تطلعات للمستقبل: الوحدة العربية، الأمة العربية، الوطن العربي، تحرير فلسطين، بترول العرب للعرب. سوق الإعلام العربي (مصري) في معظمه أن الوحدة العربية على الأبواب تحت شرطين: الأول القضاء على الاستعمار والثاني القضاء على الرجعية العربية.
من الواضح أن بعض الإعلاميين والمثقفين العرب ما زالوا في انتظار تحقّق الشرط الثاني. تلاحظ ذلك من القاموس الذي يطفو عند أول وأبسط تعرض سعودي أو كويتي لأي قضية مصرية أو لبنانية. تلاحظ ذلك أيضاً من المسارعة إلى نقل أي حوار دار على السوشال ميديا بين مثقفين أو مختصين سعوديين بآراء تخصهم إلى اتهام الدولة السعودية بالوقوف وراء هذا الحوار والتحريض عليه. أي أن المثقفين السعوديين مجرد روبوتات وأزلام تديرهم المخابرات السعودية. في تعبير واضح أن السعودية لا يوجد فيها مثقفون أصلاء لهم رأيهم المستقل عن السلطة مثل ما هو متوفر في الإعلام المصري (داخل مصر). خصوصاً حرية استخدام أقذع الألفاظ لشتم الشعوب وتعييرهم بعد أن كانوا يوم أمس الأشقاء.

أمام هذا الضجيج الذي يصم الذاكرة العربية منذ عقود لم ندرك بعد أن العلاقات العربية العربية لا تختلف عن علاقات الدول العربية مع الدول الأخرى. علاقات السعودية مع إسبانيا لا تختلف عن علاقاتها مع مصر، وعلاقات مصر مع إسرائيل تتنافى مع الموقف السعودي من إسرائيل، وعلاقات السعودية مع البحرين أقوى من علاقتها مع لبنان. هذه المواقف قد تتغير مع تغير المصالح. فنحن دول ولسنا أشقاء متورطين ببعضنا البعض. فالسعودية ليس في رقبتها دين لأحد.
أتذكر أن علمني في الابتدائية مصري وعلمني في الجامعة مصري، ولكن هذا ليس ديناً على السعودية يتوجب تسديده إلى الأبد. فالشعوب تتعلم من بعضها. مئات الألوف من السعوديين علمتهم أمريكا في أرقى جامعاتها، ومئات الألوف من السعوديين علمتهم بريطانيا وكندا وأستراليا واليابان. في هذا الأمر لا منّة لأحد على أحد. هذا من طبيعة الحضارة الإنسانية أن تصب في بعضها البعض منذ الأزل، ولولا هذا التعالم المتبادل لانقرضت الحضارة الإنسانية. تعلم اليابانيون على يد الألمان، ولم نسمع أن صحفياً أو مسؤولاً ألمانياً يعيّر اليابان بذلك فضلاً عن أن يشتم الشعب الياباني بأقذع الألفاظ.

العلاقات بين الدول العربية قد يكون فيها تفضيل، ولكن لا يعني هذا بأي حال أن هناك إلزام.

الأخوّة بين المصري والسعودي والكويتي والمغربي واللبناني متجذرة بالقرابة وبالفن والثقافة والتاريخ واللغة والأدب، ولكن هذه الأخوّة ليست ملزمة للدولة السعودية، فالدولة السعودية مسؤولة عن عشرين مليون سعودي، وليست مسؤولة عن 400 مليون عربي

القضية بالنسبة للسعودية قضية تفضيل إذا تساوت الشروط والمصالح بين دول عربية ودولة غير عربية عندئذ تدخل الأخوّة و(احترام الشعب السعودي) للترجيح. وضعت (احترام الشعب السعودي) بين قوسين؛ لأنها أهم من الأخوّة، لن نقبل بعد الآن أي شكل من أشكال الابتزاز.

يجب أن يدرك الإخوة في الإعلام العربي أن علاقة السعودية بمصر أو لبنان أو جيبوتي هي علاقة دولة بدولة لا علاقة شقيقة بشقيقة، تقوم على المصالح المتبادلة، ومن يريد أن يعرف السعودية عليه أن يرجع للسجلات ويقارن بين نسبة الأميّة في بلاده والأميّة في السعودية، أن يقارن بين مستوى الجامعات في بلاده وبين مستوى الجامعات في السعودية، أن يقارن بين المستشفيات في السعودية والمستشفيات في بلاده، والأهم من كل هذا أن يقارن بين الاستقرار في السعودية والاستقرار في بلاده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى