تحت المجهر

ما أفصح باسيل.. عندما يحاضر بالعفة!

كتب جورج بكاسيني

لم يكن ينقص حال الانهيار المتفشي في عروق الجمهورية سوى المزيد منه، بلسان صاحبه ووكيله الحصري والوحيد: جبران باسيل. كما لم يكن ينقص “العصفورية” المتفلّتة من أي حسيب أو رقيب سوى مزيد من الثرثرة على ضفاف العهد “المهتري” من رأسه حتى أخمص قدميه.

ما أعلنه رئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل لم يفاجئ أحدًا من اللبنانيين. هو تتمة لمسار مزمن من الشعبوية وتضليل الرأي العام. طالما تردد خطأ شائع مفاده أن “الكذب ملح الرجال”، والحقيقة أنه “ملح جبران” يستعين به من أجل تبرير ما تبقى من وجوده. يكذب بصدق.. حتى إذا فاض سبق الكذب نفسه بأشواط.

تحدث النائب باسيل عن قضاة “أوادم”، قاصدًا بذلك القاضية غادة عون “المتمرّدة” على قرارات أعلى سلطة قضائية، وعن قضاة “فاسدين”، قاصدًا بذلك أشرف القضاة مدّعي عام التمييز غسان عويدات الذي التزم بقرار القضاء.

وإمعانًا في التضليل تجاهل أن ما أقدم عليه عويدات كان بناءً على قرار مجلس القضاء الأعلى الذي يُشهد لرئيسه سهيل عبود بأنه “الأنزه”، وهو من اختاره رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه لهذا الموقع. فهل القاضي عبود واعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين يشهد لهم جميع اللبنانيين بالشفافية “فاسدون”؟

“شيزوفرانيا” سياسية غير مسبوقة لم ولن يتحقّق الهدف منها: محاولة تعويم الصورة في آخر معركة وجودية. ذلك أن رئيس التيار “الوطني الحر” استهلك ما تبقى من رصيد ومن احتياطي في آن. أنجز بنجاح باهر القضاء على الجمهورية ورئيسها “القوي “وعلى ما تبقّى من صورته هو ، حتى أصبح عنوانًا للانهيار ورمزًا لتفكك الدولة وانحلالها.

في زمن مضى كان للشعبويين جمهور ومستمعون يتفاعلون أو يتأثرون أو يرددون مآثرهم، أما اليوم في زمن ما بعد الانهيار، فأصبح اللبنانيون على طرف نقيض مع المزايدين وتجار الشعارات والأوهام. أصبحوا على يقين أن تجار لازمة الإصلاح ومكافحة الفساد “بالجملة والمفرّق” يرمون ما عندهم على الآخرين ، وهم في مقدمة الفاسدين.

“الكذب” يتصدّر قائمة الفساد. كانت له “منافع” في زمن مضى أيضاً ،حيث كان يوهم الناس أو يحرفهم عن جادة الحقيقة. أما اليوم فإن مرارة الحقائق التي اكتشفها اللبنانيون بعد مسلسل طويل من النفاق والتضليل، أصبحت كافية لدحض ثرثرات لا تسمن من جوع. كما صاروا يمتلكون القدرة على التمييز بين من يضحّي وبين من يعطّل ، وبين من يبحث عن حلول وبين باحث عن بطولات وهمية، وبين الفاسد وبين من يدّعي محاربة الفساد.

رحم الله الأديب سعيد تقي الدين وقوله المأثور: “ما أفصح… عندما تحاضر… بالعفّة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى