تحت المجهر

هل يمكن للناهبين أن يعيدوا أموالا  نهبوها؟ الحريري ـ باسيل: خلافٌ على الحكومة لكن البزنس شغّال

كتب موقع “اللبنانية”
أهو انفصام في الشخصية يعاني منه تيار “المستقبل” وزعيمه الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري؟ أم هو ضحك على الناس واستغشاما لهم عندما يتنازع رئيس “التيار الازرق” مع  رئيس “التيارالبرتقالي” جبران باسيل على تركيبة الحكومة الجديدة التي لم تولد حتى الآن وقد انقضى على التكليف اكثر من خمسة  اشهر؟

يتعارك الحريري وباسيل سياسياً وطائفياً على الحصص في الحكومة الموعودة وزراء ووزارات، ولكن “البزنس” شغال و”على ابو ودنو” بينهما، في قطاعات الكهرباء والطاقة والنفط  وغيره منذ سنين طويلة وحتى اليوم، وملف البواخر التركية، وما ادراكم ما البواخر التركية، خير مثال على “البزنس” المشترك القائم بينهما، والذي لم تعطله مقولة “ان يكونا في الحكومة معا او يخرجا معا” أخذاً بأهداب “التسوية الرئاسية” الشهيرة المبرمة عام 2016 والتي جاءت بالعماد ميشال عون عون الى رئاسة الجمهورية وبالحريري الى رئاسة الحكومة التي كان يمكن ان يكون فيها الى الآن رئيسا اصيلا لو لم يستقل بعد ايام من ثورة 17 تشرين الاول 2019 التي انفجرت به وبكل المنظومة السياسية الحاكمة الفاسدة التي اوصلت البلاد الى الانهيار الذي هي فيه الآن.

ولقد اقام الحريري وتياره الدنيا على باسيل وتياره ولم يقعداها عندما طرح مشروع قانون سلفة الالف وخمسمئة مليار ليرة في الجلسة الاخيرة للجان النيابية المشتركة قبل اقل من اسبوعين والتي انتهت باقرار سلفة بقيمة 300 مليار ليرة فقط وظن كثيرون يومها ان ذلك كان مثابة “تقسيط” لسلفة الالف وخمسمئة مليار على دفعات، ولكن المفاجأة كانت في الجلسة النيابية العامة الاثنين الماضي، ان الحريري وكتلته “المستقبل” وافقوا على قانون اعطاء سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة مئتي مليون دولار، اي ما يقرب من ثلاثة آلاف مليار ليرة اذا تم احتساب سعر الدولار الاميركي بخمسة عشرة الف ليرة، فتكون مؤسسة الكهرباء قد حصلت في هذه الحسبة على سلفتين بدلا من السلفة الواحدة التي كانت طلبتها والبالغة الف وخمسمئة مليار ليرة. كل هذا التمويل يستمر في قطاع الكهرباء المشكو منه داخليا وخارجيا في اعتباره ابرز مواطن الهدروالعجز في موازنة الدولة، والمطلوب تحقيق اصلاح جذري فيه ضمن الاصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي ومجموعة الدعم والمنصوص عنها في المبادرة الفرنسية ومقررات مؤتمر “سيدر”.

انه بالفعل انفصام في الشخصية لدى كل المنظومة السياسية الحاكمة الفاسدة ومن ضمنها الحريري وتياره، والتي تعلن التزامها الاصلاحات المطلوبة فيما تعمل نقيضها، متذاكية على اللبنانيين وعلى المجتمع الدولي، فإقرار مجلس النواب سلفة المئتي مليون دولار لقطاع الكهرباء الفاسد الذي كلف الدولة منذ العام 1992 وحتى الان نحو 40 مليار دولار ولم يحصل اللبنانيون على تغذية كهربائية 24/ 24 ، يدل الى امعان المنظومة الفاسدة في فسادها، علما ان مبلغ ال40 مليار دولار هذا كان يكفي في رأي الخبراء لتأمين كهرباء مستدامة للشرق الاوسط وشمال افريقيا ولكنه لم يكفِ لاضاءة لبنان الـ10452 كيلومتر مربع الذي يعيش شبه عتمة منذ عشرات السنيين.

لذلك، لا يمكن ادراج اقرار سلفة المئتي مليون دولار للكهرباء لتلافي وقوع البلاد في العتمة، الا في اطار سعي المنظومة الفاسدة الى تغطية جرائم الفساد المتمادية التي ارتكبتها وترتكبها في قطاع الكهرباء وغيره من القطاعات بغية ابعاد كأس الحساب عنها والذي بدأ يلوح في الافق من خلال تلويح الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات على من يعرقلون تنفيذ الاصلاحات البنيوية المطلوبة لإخراج لبنان بواسطة حكومة إختصاصيين حقيقيين مستقلين ومن غير الذين اختارهم الحريري الذين سمى احدهم في التشكيلة التي سلمها الى عون وزيرا للخارجية والزراعة في آن معا، ما دفع كثيرين الى التساؤل عن “الرابط  التخصصي” لهذا الوزير بين السياسة الخارجية والسياسة الزراعية؟!

وامعانا في استغشام اللبنانيين وتغطية لنهبها المال العام توافقت المنظومة الفاسدة على اقرار قانون استعادة الاموال المنهوبة المتأتية من الفساد، في الوقت الذي لم تشكل بعد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بموجب القانون الذي اقر قبل بضعة اشهر وقضى بإنشائها ولكنه لم ينفذ بعد مثله مثل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الذي لم يبدأ بعد بفعل ما زال يزرع في طريقه من معوقات في وقت مضت ثلاثة اشهر من مهلة  السنة التي حددها القانون لرفع السرية المصرفية تسهيلا لهذا التدقيق، وهذا ما يدفع كثيرين الى التساؤل: كيف يمكن لناهب مال أن يحاسب نفسه أو أن يعيد مالاً نهبه او اختلسه؟

المتابعون لمسار الازمة اللبنانية، يقولون أن لبنان “التايتانيك” مهدد بالغرق كما يحذر المجتمع الدولي، وإن نجاته لن تكون ابداً على يد المنظومة الفاسدة التي احدثت الثقب، بل الثقوب، في جسم الوطن، وتشكل جبل الجليد الذي يسد طريق إبحاره الى الخلاص، وانما ستكون عبر حكومة إختصاصيين مستقلين رئيساً ووزراء من خارج الازلام والمحاسيب، وستكون القوى السياسية ملزمة بدعم هذه الحكومة  التي ستكون حكومة الانتخابات والاصلاحات، وذلك تحت ضغط العقوبات التي ستفرض على هذه القوى قريباً وستعيد فتح ملف التكليف والتأليف مجددا على اساس صفحة جديدة.

المصدر: اللبنانية
                

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى