تحت المجهر

الحكي ناعم، والعصا غليظة. (بقلم عمر سعيد)

روى لي أحد السجناء الذين قضوا فترة في معتقلات إيران، بعد ان تم أسره في معارك القادسية الثانية :

أن سجيناً عراقياً كان يكتب الشعر، فراودته إدارة المعتقل عن كتابة قصيدة يهجو فيها صدام حسين تكفيراً عن اشتراكه في الحرب ضد الفرس، وتحسيناً لوضعه كمعتقل.

استجاب السجين للطلب، ونشرت له نشرة داخلية كانت توزع على الأسرى العراقيين في سجون إيران قصيدة، تضمنت شطراً يقول فيه :
” وشعب تكريت شعب كله عجم ! ”

أثار هذا الشطر موجة من السخرية والضحك بين المساجين، الأمر الذي دفع إدارة السجن إلى استدعاء بعض المعتقلين والتحقيق معهم، ليتبين لها :
أن العراقي إذا أراد أن يشتم شخصاً، ويسبه قال له : ” أنعل أبوك عجمي “.

فاضطرت إدارة السجن إلى سحب النشرة من بين أيدي القراء، ومعاقبة السجين الشاعر؛ الذي غلبه لاوعيه، فشتم التكارتة وهم أهل صدام حسين، وقد وصفهم بالعجم.

إن مشكلة إيران اليوم، كما مشكلة حزب الله كونه جزء من المنظومة، باتت مع الشيعة العرب، وليست مع سواهم فقط.

ففي العراق إن خدم المزارات المقدسة و منذ سنوات جميعهم من الفرس، وبالتالي هم المسؤولون عن جمع الهدايا والتبرعات، التي تقدم لتلك المزارات في أكثر من مكان، ولهم حق التصرف بها، غير انها أموال الشيعة العرب من العراقيين، الذين لن يرضوا أن تسرق أموالهم..
وهم لا زالوا يتشاتمون ويتساببون بعبارة
” عجمي ” الراسخة في لاوعيهم منذ القادسية الأولى، والعجم هم بالدرجة الأولى الفرس.

وفي لبنان فقد حزب الله غطاءه المسيحي، خاصة في عمق التيار العوني، وهو في الأساس لا عمق له لدى باقي المكونات اللبنانية..
وها هو غطاؤه الشيعي يتهاوى بشكل واضح، عبر عشرات الأصوات، والمقاطع المصورة، التي تنشر، لتحمله مسؤولية الذي يحصل في البلد، خاصة في مسألة نشر الفساد وحماية الفاسدين.
والكل يلحظ الارتباك الواضح في ردود أفعاله من خلال :
– وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتنامى فيها الهجمات ضد حزب الله مقابل تراجع الدفاع المضاد من جمهوره كما كان الأمر في السابق.
– الادعاء على السيد علي الأمين واتهامه بالتحريض والعمالة.
– وآخرها قرار القاضي ضد السفيرة الأمريكية.
وغيرها من المؤشرات التي لا يتسع المجال لذكرها.
وهذا الارتباك يذكرني بقول أبي ماضي في قصيدته المساء :
إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق
يرجو صديقاً في الفـلاة، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضوءها، و يخاف تخدعه البروق
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام
لا يستطيع الانتصار .. و لا يطيق الانكسار

لكل ذلك يعتمد حزب الله اليوم الحكي الناعم والعصا الغليظة.
غير أن هذا التناقض لن يزيده إلا ارتباكا، ولن يخدمه غلظ العصا ولا نعومة الكلام.

عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى