تحت المجهر

وزراء الطاقة العونيون يتنصّلون من دورهم في صفقات الفيول المغشوش عبر إتهام الآخرين

ليس بجديد على وزراء الطاقة المتعاقبين، الحديث عن أزمة الكهرباء بوصفها أزمة مُستَورَدة وليست صناعة محلية. كل طرف سياسي يلقي بالمسؤولية على “الآخرين”. بعضهم يكتفي بذلك خجلاً من فتح الملفات وتلطيخ الأيدي بالصفقات، والبعض الآخر يرفع يديه التي تقطر منها السمسرات، ويصر على نظافة الكف. وهذه حال وزراء الطاقة التابعين للتيار العوني، الذين يتنصّلون من دورهم في صفقات الفيول المغشوش، عبر غياب رقابتهم، بالحد الأدنى، والتزاماً بحسن النوايا.

دفاع ضعيف
تحقيقات قضائية وتوقيفات. حركة بحث داخل وزارة الطاقة. كلها تستهدف كشف المستور. من المسؤول عن إدخال شحنات الفيول المغشوش الى لبنان؟
استنفر وزراء الطاقة العونيون للدفاع عن أنفسهم. “لا علاقة لنا”. هذا شعارهم الدائم لمقاربة كل ملفات الفساد المتعلقة بوزارة الطاقة وقطاع الكهرباء تحديداً. سيزار أبي خليل، ندى بستاني وريمون غجر. ثلاثة وزراء استلموا حقائبهم بوصفها “إكرامية” من وزيرهم الملك، جبران باسيل، وانبروا للدفاع قبل توجيه الاتهامات لهم. لكنهم تناسوا أن لا مجال للدفاع في ظل التلبّس.

وفي معرض الدفاع، قرر وزير الطاقة ريمون غجر كشف خفايا عملية الفيول المغشوش، عن طريق تعيين لجنة “مهمتها التحقيق والتدقيق الإداري الداخلي بمواصفات تحميل ونقل كمية من مادة الفيول أويل (Grade B) المحملة على متن الناقلة البحرية Baltic وتفريغها وتسليم حمولتها في الخزانات القائمة على عقارات مؤسسة كهرباء لبنان في معملي الذوق والجية، توصلاً الى معرفة مدى جودة وتطابق كميات الفيول أويل مع أحكام العقد الموقع بين الجمهورية اللبنانية – وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط والمورد مؤسسة النفط سوناتراك الجزائرية، والتحقق من سلامتها من الغش ومطابقتها للمواصفات القياسية المقبولة محلياً ودولياً”.

لم يفلح غجر في إقناع الرأي العام، فتابعت وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني، مسيرة التبرير والدفاع، فرأت في حديث اذاعي، أن “نتائج التحاليل لم تكن تشير سابقاً الى وجود نوعية سيئة”. وأشارت إلى أنها في فترة توليها وزارة الطاقة طلبت “من كهرباء فرنسا القيام بتحاليل دقيقة، وقد وصلت نتائج هذه التحاليل إلى لبنان في الشهر الفائت”.
من وجهة نظر بستاني، “لم تُخدع مؤسسة كهرباء لبنان بالفيول المغشوش سابقاً”. فوزارة الطاقة بالمرصاد. أما انكشاف الغش حالياً، برغم استمرار العهد العوني في الوزارة، فيعود إلى خطب ما تتحمل مسؤوليته شركة سوناتراك الجزائرية التي تزود لبنان بالفيول، بفعل اتفاق ثنائي بين الدولتين اللبنانية والجزائرية. وهذا الاتهام غير المعلن، عبّرت عنه بستاني بقولها إن “عقد استيراد الفيول هو بين دولة ودولة، لكن شركة سوناتراك هي التي اختارت تزويد لبنان بالفيول عبر وسيط لبناني”.

تخطّي الحدود
التخبط الذي عاشه وزراء الطاقة يثبت اغفالهم دور الوزارة في مراقبة الفيول، عن طريق نتائج التحليلات التي لم تكن تجري وفق الآلية الصحيحة. كما لم تكترث الوزارة لتحوّل استثناء الاتيان بالفيول من جهات أخرى، على قاعدة الاتيان به عبر شركة سوناتراك.

ومن هنا، تنطلق علامات الاستفهام. فالدولة اللبنانية تعاقدت مع دولة أخرى، وتركت لنفسها مجالاً للاستفادة من مصدر آخر للفيول في حال العجلة، وهي حالة استثنائية. لكن لسبب ما، باتت مؤسسة كهرباء لبنان تستعجل استقدام نفط بلا شهادات منشأ وبلا نتائج فحص. فوُضِعَت شحنات الفيول في المعامل، وابتدأت رحلة التأثيرات السلبية للفيول المحمَّل بالرواسب والأوساخ التي تضر بالمعامل.

واستطراداً، تشرح مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، في حديث إلى “المدن”، أن الغش في الفيول “ينجم عن ارتفاع معدلات النفايات في الفيول، حيث لا يكون صافياً كفاية. ويلجأ المزوّرون لزيادة معدلات النفايات، للاستفادة من زيادة الوزن مقابل كلفة أقل، وبذلك يحققون أرباحاً أعلى مما يحققونه من بيع الفيول النظيف”. ولتمرير الفيول في المعامل، “يتم تقليص عدد المعدّات التي تفصل النفايات عن الفيول. وهذا ما حصل في معملي الجية والذوق، وهذا ما سمح بتشغيل المعامل بفيول مغشوش غير نظيف”.

إدخال الفيول المغشوش إلى المعامل، “زاد عن حدّه. ولم تلتفت وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان إلى ضرورة إيقاف هذا النهج الذي يهدر المال ويضر المعامل”. وبدل تصحيح الأخطاء، “دخل ملف الفيول المغشوش لعبة الصراع السياسي. وبات كل فريق يريد فضح الآخر لتعزيز شروط التفاوض حول الاستفادة من المشاريع المتعلقة بقطاع الكهرباء، سواء في شركات مقدمي الخدمات أو بواخر الطاقة أو التوظيف والتشغيل في المعامل… وغير ذلك”.

الفساد ليس مستجداً
توحي بستاني أن قضية الفيول المغشوش مستجدة. لكن الواقع يؤكد أنها قديمة، ولم تكن لتُكشَف “لو لم تصبح القضية أمام خطر الانكشاف تلقائياً بعد تكسّر عَنَفات المولّدات جراء نفايات الفيول. كما زاد خطر انكشافها بفعل التوترات بين طرفين سياسيين يتصارعان للسيطرة على وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان”.

وتذكّر المصادر أن “الانتاج في البواخر توقّف في العام 2013 بسبب استخدام زيوت تؤدي إلى ضرر في بخاخات المحركات، وذلك بعد 47 يوماً من بدء تشغيلها”. ولم تنتهِ عمليات استخدام الفيول المغشوش طوال تلك المدة، وصولاً إلى شهر تموز من العام الماضي.
هذه القضية لا تنفصل عن قضايا الفساد الحاصل في مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. وإذا كانت بستاني قد ذهبت بعيداً في الدفاع، محاوِلة التذكير بأن أزمة الكهرباء عموماً، ودورها في مراكمة الدين العام، بدأ “منذ سنة 1994 عندما قررت حكومة الرئيس رفيق الحريري ووزير المالية حينها فؤاد السنيورة تثبيت سعر الكهرباء على أساس سعر برميل النفط 20 دولاراً”. وهذه المحاولة هي خطوة لدمج ملفات الفساد وتبرئة فريق واتهام آخر.

دمج الملفات يصبح مقبولاً حين يُحمَّل الجميع المسؤولية. أما تنصل بستاني وفريقها، فيصحّ معه تذكير الوزيرة السابقة بأن الفيول المغشوش كان يمر سابقاً أمام أعين الوزارة. أما باقي جوانب الفساد، فرفعت معدلاته خطة باسيل الموضوعة في العام 2010، والتي أدت إلى خسارة مؤسسة كهرباء لبنان نحو 1.3 مليار دولار خلال 8 سنوات، هي عبارة عن النفقات التشغيلية لبواخر الطاقة. وهي قيمة مالية كافية لبناء معمل ينتج 1300 ميغا واط. فضلاً عن تجاهل الوزارة ضرورة إصلاح قطاع التوزيع في معامل الكهرباء، إذ يؤدي إلى هدر 40 بالمئة من الكهرباء.

كما أن وزيراً منذ العام 2010، لم يعمل لتعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، فضلاً عن عدم تعيين الهيئة الناظمة للقطاع. وهذا مدخل أساسي لإصلاحه.

المصدر: المدن – خضر حسان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى