تحت المجهر

تحليل نفسي للحالة العونية: تروما الحرب والقواتوفوبيا

كتب الدكتور جاد حاوي ما يلي :

تحليل نفسي للحالة العونية: تروما الحرب والقواتوفوبيا

بعيداً عن تهمة الفساد وقوة العهد و “كلن يعني كلن”، يمثل المنتسبون إلى التيار الوطني الحر وقيادته ومؤسساته الإعلامية حالة استثنائية يمكن النظر إليها من باب تشخيص لمرض نفسي.

بداية، من هم العونيون؟ هم:

– الطبقة الوسطى المسيحية في جبل لبنان
– الشبيية المتحدرة أهاليها من تجربة في الجيش
– كبار السن من العاملين السابقين في الجيش
– النساء (بعمر ٣٠-٤٥) اللواتي يملكنّ صورة مبتورة للرجل/الذكر، وصدمة طويلة وعميقة ناتجة عن غياب الأب (بسبب الوفاة، العجز، الهجرة، عدم لعب دور الأب، إلخ)، وجماعة لا بأس بعددها من الراهبات المشوهة صورة الرجل لديهم أصلا
– الشباب المنتسبون للحركات الطلابية زمن بداية الألفية
– أوليغارشية مسيحية ذات إمكانيات مادية معتبرة تسلقت على التيار الوطني الحر لكسب المناصب النيابية والوزارية والإدارية
– أقلية إسلامية (شيعية بالغالب) تتستر برداء التيار لكسب المنافع والوظائف البسيطة
– المتحدرون من تجارب حزبية مشوهة في أحزاب أخرى، كالمردة، الوطنيين الأحرار، القومي السوري، والكتائب…

يعاني معظم معظم هؤلاء من post تروما الحرب.

ولدت الحالة العونية في المناطق المسيحية من جبل لبنان، كنتيجة لتراكمات الحرب وممارسات المجموعات المسلحة في “الشرقية” (القوات اللبنانية). إن سبب ومسبب نشأة الحالة العونية تعود لتلك الفترة وذلك قبل أن تتأطر بإطار حزبي واضح. إن سبب ومسبب الظهور، وبداية البداية والنشأة والخروج كانت ردة فعل على واقع أليم من كتلة شعبية ذات ٣ هويات:

– الشباب العشريني والثلاثيني الذي لم يجد لنفسه أي دور عند تحكم الميليشيات بالمنطقة “الشرقية”، وبات على هامش الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية، فرأى في تأييد العماد ميشال عون عام ١٩٨٩ انتقاماً من قوى الأمر الواقع ورهان على نقل أنفسهم من حالة لأخرى.

– كتلة من النساء التي لا تحبذ الميليشيات وثقافة الحرب والفوضى، رأت في عون منقذاً مطبوع بطباع الذكورة والشهامة والترفع، والنجوم على الأكتاف والبدلة المرقطة والشعارات الوطنية البراقة.

– كتلة من رجال الجيش التي رأت دورها يضمحل منذ عام ١٩٧٥، وراهنت على عون لتعيد الاعتبار لدورها.

انتهت الحرب بصدمة نفسية للحالة العونية. خسروا الحرب أمام الجيش السوري وأمام “القوات اللبنانية” على حد سواء. حوّلت الآلة الحزبية العونية الناشئة الصدمة لمظلومية وطنية من ناحية، ولعدائية ذي ميول انتقامية ضد القوات اللبنانية من ناحية أخرى. حمّلوا هؤلاء كل التهم وأعمال السوء. باتت “القوات” بالنسبة للحالة العونية هم الزعران، هم الخانعون القابلون باتفاق “الطائف”، هم الخائنون الذي لم يساعدونا ضد السوري، هم الذي سلموا البلاد للغرباء، هم الحواجز والزعرنات وربطات الخبز والمقابر الجماعية…

كمريض نفسي يعاني من تروما، تطورت الحالة العونية كما يتطور المريض. المرحلة الأولى هي الصدمة الناتجة عن ماضي أليم. المرحلة الثانية هي الانعزال وتجميع الأشلاء وتحويل الصدمة إلى عداء. المرحلة الثالثة هي تنفيذ العداء وردة الفعل. المرحلة الرابع الاصطدام بالواقع ومراجعة النفس. المرحلة الخامسة والأخيرة؛ إما خروج من المرض أو الجنون.

كمريض نفسي، مرت الحالة العونية بالتالي: المرحلة الأولى هي صدمة خسارة الحرب الناتجة عن حالة “الشرقية” قبل العام ١٩٨٨. المرحلة الثانية الإنعزال في فرنسا وتجميع أشلاء الحالة العونية وتحويل الصدمة لحالة عداء ضد “القوات اللبنانية”. المرحلة الثالثة هي تنفيذ العداء ضد “القوات” وردة الفعل.

يعيش التيار الوطني الحر اليوم في المرحلة الثالثة. هو في حالة عداء متأصلة ضد “القوات اللبنانية”. نظرة سريعة إلى إعلامه تؤكد المؤكد. بث ليل نهار ضد الآخر. حتى في برامج الطبخ والبرامج الصباحية. كل شائبة يلصقونها بهم. كل جريمة يشيرون بأصابعهم إليهم. كل “مؤامرة” خيالية “القوات” تقوم بها. كل رأي معارض لهم هم خلفه. كل تجمع شعبي ضدهم في أي مكان ترى الإعلام العوني يشير إلى “القوات” كفاعلين وأناس أشرار.

للمريض النفسي أسلوب ثابت في النقاش. كل اتهام له يرده إلى ردة الفعل ويدافع عن نفسه باتهام الآخرين بأنهم أسوأ منه. من ناقش أي عوني في حياته يمكنه التأكد من أن أي انتقاد للحالة العونية، يرده العوني إلى “الآخرين” وتحديدا “للقوات”.

إن قلت له أن شبهات بالفساد تحوم حولك، جاوبك أن الآخرين فاسدون.

إن قلت له أنت سيء، قال لك الآخرين أسوأ.

إن قلت له أنتم في السلطة ولم تحارب الفساد كما وعدتم، رد عليك الآخرين “ما عم بخلونا”.

إن قلت له تحالفكم مع حزب الله سيء، قال لك أنظر هذا جعجع متحالف مع هذا وهذا وذاك.

المرض النفسي المتأصل بالحالة العونية، القواتوفوبيا، الشفاء منها شبه مستحيل، طالما تستمر الآلة الإعلامية العونية ببث سمومها وتمارس ردات الفعل ضد خصمها الأبدي، ولا تنفك الاجتماعات الحزبية تشير إلى “القوات” وعناصرها بالأشرار.

مشكلة هذه الحالة كذلك أنها غير مقتنعة أنها مريضة. ومثل أي مريض، لا يعترف صاحب المرض بمرضه بل يظن نفسه سليماً معافى، ثم يعرج في سياق الكلام للإشارة إلى سيئات غيره…
**أنا، التيار العوني، أسوأ فيروس سياسي ضرب المسيحيين…. ومن بعدهم كل لبنان .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى