تحت المجهر

العالم في قبضة المحتل (بقلم عمر سعيد)

لا دماء تسيل ، ولا غبار معارك يعلو في الأجواء ، ولا ارتال دبابات تمزق جلد التراب ، ولا جعير طائرات حربية يثلم غشاء السماء ، ولا مدافع تدوي ، ولا حتى جبهات قتال ..

باتت البيوت ملاجئ ، استحالت شوارع كانت تختنق بخطى العابرين ، و أصوات الباعة وزعيق زمامير السيارات خطوط هجوم أولية ، ولا من جنود تدافع عن هذا الكوكب الذي يتقلص بنا ..

هرب الجميع ، شجعاناً قبل جبناء ، كلهم هربوا إلى ملاجئهم ، بعد أن سكنتهم الهزيمة ومشاعر خسارة الحرب ..
وحده المحتل ، يمشي مهاباً ، صامتاً ، فراضاً عواضه على ألأحياء والجماد ..

لا شيء يعلوا فوق صوت كورونا ..
هذا المحتل الذي عرف كيف يحكم خطته ، ويقسم العالم إلى حدود مغلقة ، منع اختراقها أو تجاوزها مهما كانت الظروف ..
لا بل إنه ضيق الحدود إلى ما تحت الثياب ..
فلا دفاعات جوية ولا برية ولا بحرية ، ومهما تعاظمت إمكانيتها العسكرية القاتلة ، تعرف كيف تتصدى لهذا المحتل الجبار ..

تحكّم بالإعلام ، وشغل العقول الألسن والأقلام في الحديث عنه ، وأنجز أكبر حملة ترويج لقواه التي لا تقهر ..
فأي عقل مخطط يملكه هذا المحتل ، وأي إمكانيات طبيعية توفرت له، فمكنته من اجتياح، جعل الجيوش تفر منه مرعوبة ، قبل أن يستحكم هجومه ؟

الكل فقد قدرته ، ومبادرته ، وخطوطه الدفاعية أمام محتل كوني فرض على الجميع ملامح ، ما كنا لنعيشها بهذا الإدراك العميق :
انتظار ، وترقب ، ومتابعة ، واشاعات ، وكآبة .
لا يمكن أن تجد إنسانا واحداً، لا يعاني واحدة من هذه العوارض ، إن لم يعانها جميعها تحت وطأة هذا الوحش المتوحش ..
وقد ساوى بين العاقل والمجنون ، والعالم والجاهل ، والحاكم والمحكوم ..

ولا مَنْ يمكنه ، أن يقدر : كم ستدوم حقبة هذا الاحتلال ، ولا كم سينتج عنه من خسائر وفي كل الاتجاهات ..
فقط تخمينات ، وصراخ يدوي في كل اتجاه ، والنتائج كل النتائج أخطاء تقدير ..

يعزي الجاهل نفسه بقدرة الله وإرادته ، ويعزي المتبجح نفسه بتبجح لا يقنعه ، فيعدل عنه إلى آخر ..
وحده المصاب ، يعيش ويعيهل شراسة الحرب ، غير أنه محجور ، مسلوب الصوت ، والتواصل ، والإخبار والتصريح ..
ومن يعلم ؟ فقد لا يكتفي هذا المحتل بسقوط الضحايا ، و قد أشيع أنه يحجب الأموات جثثاً عن أحبتهم ..
ينئيهم عن الدمع والوداع والدفن الذي يليق بمن قاتله بشرف ..

طوفان من مجهول ، يحيق بنا ..
طوفان من التحليلات والترجيحات ، يلف بنا .. طوفان من غرابة يكز في عصبنا المنشور توتراً حد التمزق ..

وحده واتس أب ينقل أنين سائق فان جاع ، ولا من يطعمه..
وحده فيس بوك يرسل صور سقوط الإنسان في كل أشكالها ..
وحده تويتر يلخص مشاهد الانهيار بتغريدة لا تتعدى ٢٨٠ حرفاً
وحده الأعزل إلا من معرفته وقف يتصدى لهذا الوحش المتوحش بالصراخ في وجهه ، وفضحه ، وتعريته ..
وقد انشغل ساسة العالم وأنظمته بدفن الضحايا، وتعميم أرقامها على المراقبين ..

والكل في عزلة، يختبر الصمت والثرثرة والفراغ ..
يعيش انتظاراً ، ويموت انتظاراً .
وأصعب الموت موت لا يميت !
وكيف بنا إذا قرر الماء التبخر ، واللا عودة ؟!
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى