رأي حر

إلى أبي/ بقلم عمر سعيد

بقلم عمر سعيد

ها قد عادت الحرب يا أبي؛ ولا مكان يمكن أن أختبىء فيه!
كنتَ إذا بدأت الحرب، تسير أمامنا، ونحن خلفك كصغار البط أو الدّجاج، نتّبعك إلى كهف قريب، أو إلى قبو الجيران الّذي كنّا نحشر أنفسنا داخله، كما كانت تحشر أمّي قطع ملابسنا في البقجة الّتي كانت تحملها معها.

أنا اليوم لا أعرف إلى أين أفرّ يا أبي، وإن فعلتُ، فسأكون وحدي، ولا صغار يفرّون خلفي.

حالي يا أبي في هذه الحرب كحال مصارع الثّيران الّذي يرتعد خلال تحديقه في قرني الثّور، وكلّ مَنْ خارج الحلبة يصفّق.
أنا لا أعرف إن كانوا يصفّقون لي أم للثّور يا أبي.

أنا لا أخاف الموت.
لكنّي لا أحبّ الموت بتوقيتٍ وكيفيّةٍ لا علاقة لي بهما.
ولا أحبّ أن يموت ولدي الّذي أنفقت عمري في بنائه، ليكون ما يحبّ.
ولا أحبّ أن أقول:
“فليكن فداءً للوطن”.

لن أكذب على نفسي ولا على أيّ أحد يا أبي.
فأنا منذ ولدت؛ لا وطن لي، إلّا جلدي، وجهدي، والطّريق الّتي مشيت.
وأنا لا أحبّ أن أضطّر للتسوّل، لأجل أن أستُر جسد زوجتي وأختي؛ إن أحرقوا بيتي بما فيه.

لا أدري يا أبي لِمَ لا أنتشي برائحة الدّماء، كحال كثيرين ممّن هم حولي، وفي مواقع التّواصل.

في الحرب أحسّ أنّي غريب، لا ينتمي لغير الحزن والتّيه.
فكلّ ما أراه في ما يبث من مقاطع وصور ونشرات أخبار يحكي عن الموت.
والكلّ فرحٌ بموتاه..
إلّا أنا يا أبي.
يبكيني سقوط الإنسان، في أرض تتّسع لأضعاف ما عليها.
يبكيني أن أصبح رقمًا في تعداد الجثث، وأنا أب وزوج، وأخ، وصديق لكثيرين.
ولا أريد أن أكون كذاك العجوز الذي رأيته في مقطع مصوّر، يبكي بيته الّذي أنفق في بنائه أربعين عامًا.
أنا يا أبي مذ ولدت أكره الحرب والسّلاح وحملته.
وأمقت حدّ الحقد أن يشفق عليّ أحد..

أحببت أن أخبرك أنّنا لا زلنا في حرب، وأنّنا لا زلنا خلفك كفراخ البط أو الدّجاج، ولا زلنا خائفين، غير أنّنا ما عدنا نلقى مكانًا نفرّ إليه.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى