رأي حر

الوجوه مرايا/ بقلم لارا علي حسن

كانت سعادتي قد بلغت ذروتها، شعرت بأنني ربحت جائزة نوبل، أو أنني زرت بلدان العالم كله قبل دقيقة، لا لا قبلتني الآلهة على شامة خدي الأيسر!
أرسل لي باقة جيبسوفيلا مع كارت صغير مكتوب عليه “ثائرٌ أنا وقضيتي أنتِ!”
الساعة الرابعة عصراً، حاولت أن أكتب شيئاً ولم أستطع، مسكينَة! كُلُ ما حولك غارقٌ في الوحل، حتَى أنتِ، ماذا ستكتبين؟ الحُب لا يُكتَب، الحُب يُعاش، واسيت نفسي.
لم أعكر صفوّ سعادتي، وعدم قدرتي على الكِتابة، كان دوام العمل على وشك أن ينتهي، أدخلت البيانات المتبقية إلى الحاسوب، لا شأن لي إن أخطأت بين إسم وآخر، فالحُب سيغفرُ لي خطيئتي، ودّعت زميلتي العبوس، وغادرت العيادة، لعلّ الطبيعة تشاركني صفوتي فالسعادة معدية لكن البشرية لا تتلقى سوى ذبذبات سلبية وفيروسات لعينة .
الجدران، الشجر، البيوت، والسيارات، والمحلات، جميعها كانت في لحظة النشوة الأولى!
أما بائع الخضار فقد كان يشكو الأسعار. صاحبة toucher محل الألبسة عدلت عن الصناعة الوطنية واشترت أوروبي، أقلّ كلفةً عليها وعلى الزبائن ،كان الفستان المعروض على الواجهة رائعاً، خلت نفسي أرتديه وأطلب رأيك؟ “كساعة رملية، اخترعها الإنسان حين أراد أن يمضي بقية العمر وهو يقول أحبّك أُحبّك! “،
ام وديع تقاضي بائع الحليب على السعر الجديد، الشارع خالٍ من الأولاد، مشيت بطيءاً، سريعاً ثم ركضت أصرخ ” الحُب سينقذ العالم” فلم يعبّرني أحدٌ، ومُشكلتي أنني أحمل همّ الوطن كما أَحمِلُ حبَك في قلبي الصغير، كيف لي أن أرى كل هذا ولا يتحرّك الحزن الهزيل داخلي لكنني قررت هذا اليوم ، هذا اليوم فقط، ألا أسمح لأي شيء أن ينتشل سعادتي، وإن كان وجهي يجول الشارع وسط حشد من الوجوه المكفهّرة !

أكملت الطريق وأنا أصرُخ “الحُب سينقذ العالم”
طلّ صبي قد بلغ العشر سنوات، من قعر الحاوية، وهو يقول لي “امجنونة انت؟” ضحكت حتى دمعت عيناي، لا لشيء ولكنه فاجآني بشكل فكاهي،
قفز ناحيتي وأكمل جملته
“ولكن أتصدقين، محقة أنت، فأنا أحب ملاك ابنة خالي، ولو أنّ أهلها يوافقون أن أحبها لم تلتقيني هنا ابحث عن البلاستيك وأتعفن بالروائح النتنة..! ”
طلبت منه أن نترافق وندخل إلى مطعم “لقمة طيبة” في طريقنا، لنتناول الطعام على حسابي، عادةً أمشي من العيادة إلى المنزل، لأوفر أجرة التاكسي، لكن اليوم قررت أن أعزمه وأدفع ثمن مواصلات أسبوع كامل، لأنّني رأيت في وجهه تلك السعادة التي بحثت عنها بين الوجوه فالوجوه مرايا ! .

لارا علي حسن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى