رأي حر

أسامينا.. قراءة في فلسفة تغيير الاسماء (بقلم عمر سعيد)

“أسامينا
شو تعبو أهالينا، تلاءوها
و شو افتكرو فينا”

هكذا لخص جوزيف حرب التجربة الإنسانية اللبنانية مع الأسماء، لم يعط الموضوع أي بعد تنظيري، لأن التنظير يفقد المعنى صوابيته الأبسط.

جنوبي قريتي الأم الصويري، تقع قرية تحوي معبداً رومانياً عريقاً، يعرفه الجميع ب:
” قصر حمّارة “، يطل على ما يسمى “ابواب الريح”.
تلك القرية اسمها التاريخي حمّارة، لشدة حمرة التربة في أرضها، و لسبب جغرافي لن أخوض فيه.
كانت تلك البلدة مقر أحد الاقطاعيين اللبنانيين والذي كان اسمه “البيك هنري رزق الله”.
وإلى اليوم لا زالت الذاكرة الشعبية تحمل تعاريف، تُؤطر بلقب البيك، كبيت البيك، وكرم البيك، و…
مع بداية سبعينات القرن الماضي، أخذت ترتفع في حمّارة بتشديد الميم نسبة التعليم، والتي خلقت جواً من الرومنسية السطحية في فهم التاريخ.
تقدمت في تلك الفترة ثلة من الجيل المتعلم يؤازرها عدد من فعاليات حمّارة، بطلب تغيير اسم البلدة، من حمّارة إلى المنارة.
وكان لهم ما أرادوا..
وبخطوة تحسب عليهم لا لهم، أسقط أولئك الرومنسيون بعداً عميقاً لحمّارة في التاريخ، لتبدأ معهم مرحلة صراع الذاكرات بين حمّارة التاريخ، والمنارة التي لا يتجاوز عمرها الأربعين سنة.
وكلنا يعرف قسوة أن يشطب المرء كل إشارات الطريق المؤدية إلى الذاكرة الصحيحة، وما ينتج عنها من تمزيق، وتشويه، وتعد.

ولقد سمعت أن حزب الكتائب يدخل مرحلة التفكير بتغيير اسمه..
الأمر الذي أثار فييّ العديد من التساؤلات التي آمل أن يتسع صدر الكتائبيين لها.
لكني قبل ذلك، سأشير إلى تجربتين مشابهتين، حصلتا في التاريخ:

في رواية فتاة الوشاح الأحمر للكاتبة الصينية جي لي يانج.
تطرح الثورة الشيوعية خطة شطب كل التسميات التي تذكّر بما كان قبلها، بما فيها أسماء الأفراد، لتستبدلها بأسماء تتفق مع طرحها الثوري الجديد.
كذلك فعل الاحتلال الأمريكي ومن كان تحت إبطه بالعراق، الذي أطلقوا عليه تسمية: عراق صدام حسين، لتعزيز نفور المواطنين العراقيين البسطاء، وحثهم على المساهمة في تدمير الذاكرة بكل حلوها ومرّها.
فغيروا أسماء مدن، وضواح، وشوارع، وسوح، وربما طال الأمر أسماء أشخاص كالذين يحملون اسم صدام وبرزان طارق وعزت..
ولا حاجة للشرح، فالكل يعرف حال العراق المنتهك الذاكرة اليوم.

فهل باتت ذاكرة الكتائب مرهقة بما ينبغي الإتيان عليه بحذف اسم هذا الحزب العريق؟!
أم أنها ضائقة الأحفاد بميراث الأجداد الضخم، والذي إن لم يستطع الأحفاد تجاوزه إيجابياً أتوا عليه كلياً؟
أم أن في هذا الطرح تماه مع شعار “كلن يعني كلن”، ليكون هذا الحل بمثابة إقرار بالفرار من فساد الأمس إلى رومنسية التائهين؟!
وهل سيتبع تغييرَ الاسم تغييرٌ يطال فخامة الرئيس الشهيد بشير الجميل في الذاكرة؟!

هل يعلم أصحاب هذه النظرية أن تغيير الأسماء فيه تعد على ذاكرة الشهداء والمناضلين والمضحين واللبنانيين كافة؟!
هل يعرفون خطورة أن يفتح الإنسان ماضيه على أكثر من ذاكرة، تمكن المنظرين من حث إحداها على تشويه سواها؟!
لقد عرف أن من أساليب الاحزاب السرية تفريخ أحزاب فرعية صغيرة لها، تحاكي سذاجة التائهين في قراءة ما يحصل، فينتسب من ينفر من الحزب الأب، إلى أحزاب تدور في فلك أبوته.
وهذا التكتيك هو ليس أكثر من إجراء أمني غير عقائدي، يوحي بالتنوع والانفتاح وقبول الآخر، لكنه في الواقع العميق هو التفاف على العقول ومراعاة للأمزجة الساذجة.
لأن تغيير الأسماء، ينبغي أن يسبقه تغيير جغرافي إلى مكان لا ذاكرة له عن الوافدين الجدد إليه.
فقد قالت فيروز على لسان جوزيف حرب:
” الأسامي كلام
شو خص الكلام
عينينا هني أسامينا ”
#عمر_سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى