لبنان

سمير جعجع.. رفيق دربنا

قاسم يوسف – أساس ميديا

في النفس ما يغلب كلّ قول وكلّ موقف. كنّا نودّ أن نودّع الحريريّة بصمت نبيل. بدمعة صادقة. بذاكرة الأيّام الخوالي. بحرقة تستوطن القلب ولا تبرح الوجدان. حالنا في ذلك حال سعد الحريري الذي ترجّل أمام الجموع باكياً بعد كلمة مقتضبة ومؤثّرة. لكنّ ثمّة صغاراً يمتهنون الثرثرة والتشويش. تدافعوا على شاكلة الذئاب المنفردة لتفريغ هذا الوداع من مضمونه المهيب. عبر الانقضاض على سمير جعجع، بالتضامن والتكافل والتزامن مع صديقهم جبران باسيل، وكأنّ الاعتزال والانسحاب من الحياة السياسية لا يشمل الضغائن والأحقاد والمماحكات الآثمة.

الحقيقة أنّ جزءاً لا بأس به من مشكلتنا الدائمة مع سعد الحريري وبطانته وفريقه اللصيق وبعض الأصوات التي راحت تنمو إلى جانبه في سنوات العتمة، يكمن أساساً في هذا النوع المستجدّ من منهجيّة التفكير التي لا تخلو من الاستفزاز، والتي لامست الوضاعة السياسية القصوى في بعض مراحلها المتقدّمة، حيث يصحّ عندهم أن يستحيل الشهم نذلاً، بالخلاف أو الاختلاف معه فحسب، ويجوز أن يصير الصديق عدوّاً، والشجاع خائناً، والمقدام غادراً، والصقر خبيثاً، والوطنيّ قاتلاً وسفّاحاً ومجرماً، ورفاق الدرب حفنة من الوصوليّين والمستفيدين وشذّاذ الآفاق.

هذا التيار الهائل استحال بهمّة هؤلاء منظومة قاصرة البصر والبصيرة. ارتجاليّة المواقف. متفلّتة العواطف والمشاعر. مصابة برُهاب فظيع. وقد ساهم هذا كلّه في اختلال توازنه وانعدام جاذبيّته على نحو عميق، حتى تحوّل من مغناطيس عملاق يجذب ألمع الناس وأحنكهم وأقدرهم، إلى طاولة زجل، يتقاسمها صغار القلوب والعقول والنفوس، مع ما تيسّر من الذباب الإلكتروني وهواة القدح والذمّ والشتائم.

سمير جعجع هو رفيق دربنا. شريكنا في الحياة الوطنية. عنوان من عناوين قضيتنا ذات آذار مجيد. وعين من عيوننا الساهرة بوجه المخارز القاتلة. وضعنا اليد في يده ونحن تحت جبل من الجثث وفوق بحر من الدماء. علاقتنا به لا تخضع لحسابات الوشاية والقيل والقال. ومشروعيّته السياسية لا تنبثق من غطاء نضعه متى شئنا فوق رأسه أو ننزعه. المسألة ليست بهذه الخفّة وهذه البساطة. ومَن كان يظنّ لبرهة أنّه قادر على ذلك، فهو واهم ومحدود ومشتبِه.

ثمّة أشياء كثيرة نختلف معه حولها. ثمّة مفترقات أساسيّة تتعلّق بمجموعة من العناوين والخيارات السياسية والوطنية التي كنّا فيها على طرفيْ نقيض. لكنّ ذلك كلّه لا يمسّ جوهر الرجل وحضوره ودوره. ولا يمسّ أيضاً ثوابتنا المشتركة والمتجذّرة، التي تقوم في مركزيّتها على مسيرة طويلة تعمّدت بالدم والدموع والعذابات، وهي أكبر من أيّ رأي أو موقف عبّر عنه أمام هذا أو ذاك، وهو بالمناسبة رأي صائب ومحقّ، ونحن أدرى الناس بصوابيّته وأحقّيّته. بل وسنبقى نردّد على الدوام: سعد الحريري قرّر أن يعيد تأهيل نفسه “بتعليق” صورته السياسية بعد أن أنهك نفسه وأنهكنا معه في إدارة البلد. وإدارة السُنّة. ورئاسة الحكومة. وطبعاً في قيادة الفريق المناوئ لحزب الله. هذا ليس انتقاصاً منه أو طعناً به، بل هو توصيف دقيق ومجرّد لشخصيّته وسياساته وتجاربه وأساليب عمله.

فليخجل هؤلاء وليصمتوا. وليذهبوا نحو قضاء استراحتهم الطويلة بعيداً من العبثيّة والانفعال. وليتركوا للسُنّة أن يختاروا مسارهم ومصيرهم مهما ابتعدوا سيبقون في حدائق ثوابتهم. فهم الأدرى بمَن ركب فوق ظهورهم وقادهم إلى أقاصي الجحيم. وهم الأعلم بمَن حوّلهم إلى ماسحي أحذية في جمهوريّة حزب الله، وإلى صفقة شهيّة على مائدة جبران باسيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى