لبنان

من يجرؤ على استدعاء المدير الحقيقي للعنبر الرقم 12؟

أحمد عياش – النهار
الأسرار التي لا تزال طيّ الكتمان في التحقيق الداخلي الجاري في انفجار مرفأ بيروت، تمثل في نظر أوساط دبلوماسية لبّ الحقيقة التي ينشدها ذوو أكثر من مئتي ضحية سقطوا في الحادث الرهيب، كما ينشدها آلاف الجرحى ومئات الآلاف من الذين تضرروا مباشرة. لكن التحقيق، الذي غرق ولا يزال في جدل الاستدعاءات الأخيرة لم يصل إلى الطريق الموصلة إلى الحقيقة، ما ينطبق عليها القول: “مرتا… مرتا، تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد”!

في معلومات لـ”النهار” من هذه الأوساط، أن “الصدمة الإيجابية” التي كان يتطلع إليها ضحايا الانفجار بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على حدوثه، كانت معرفة من كان المالك الفعلي لشحنة نيترات الأمونيوم التي بلغت عند وصولها إلى العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت 2750 طناً لتصبح يوم الانفجار نحو 500 طن كما قدّر تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي أي) حجمه بعد معاينة خبراء المكتب عن كثب آثار الانفجار بعد أيام من وقوعه. وبعد معرفة مالك الشحنة، كان المطلوب من التحقيق الداخلي الإجابة عن سؤال: أين ذهبت بقية الشحنة قبل الانفجار والتي تقدّر بنحو 2250 طناً من هذه الشحنة؟

لا تجد هذه الأوساط في استدعاءات المحقق العدلي فادي صوان التي شملت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين ابتعاداً عن الحقيقة، لكنها قد تهدر وقتاً ثميناً في كشفها، من دون الدخول في السجال المستمر حول الانتقائية التي مارسها القاضي صوان عندما اختار بنفسه بضعة أسماء من لائحة أرسلها إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وشملت اللائحة بحسب معلومات إعلامية أسماء رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة سعد الحريري، نجيب ميقاتي وتمام سلام، إضافة إلى وزراء الأشغال السابقين، ومن بينهم الوزير غازي العريضي، إضافة إلى وزراء العدل السابقين ومنهم المستشار الحالي في الرئاسة، سليم جريصاتي، والوزيرة الحالية ماري كلود نجم.

تشير هذه الأوساط إلى ما سمته بـ”الخيط المهم” الذي كان بإمكان المحقق اللبناني الإمساك به من خلال وزيرين سابقين جرى استدعاؤهما هما: وزيرا المال والأشغال السابقان علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. والأخيران، صدرت بحقهما عقوبات من وزارة الخزانة الأميركية في 8 أيلول 2020. ويمكن من خلال قراءة نص القرار الأميركي قبل أكثر من ثلاثة شهور، الوصول إلى هذا “الخيط المهم” على حد تعبير الأوساط الدبلوماسية. ومما جاء في القرار: “التقى فينيانوس بانتظام بوفيق صفا، الذي حددته وزارة الخزانة الأميركية في عام 2019 لدوره القيادي في الجهاز الأمني لت”حزب الله”… “أما بالنسبة للوزير السابق علي حسن خليل، فقد جاء في قرار الوزارة الأميركية: “استخدم خليل منصبه كوزير للمالية لمحاولة تخفيف القيود المالية الأميركية عن “حزب الله” حتى يواجه التنظيم صعوبة أقل في نقل الأموال. كما استخدم خليل سلطة مكتبه لإعفاء أحد فروع “حزب الله” من دفع معظم الضرائب على الإلكترونيات المستوردة إلى لبنان، وتم جمع جزء مما تم دفعه لدعم “حزب الله””.

لاستكمال هذه الصورة، تعود الأوساط الدبلوماسية إلى قرار وزارة الخزانة الأميركية في 10 تموز 2019 والذي حمل عنوان: “وزارة الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على مسؤولين في “حزب الله” مدعومين من إيران لاستغلالهم النظام السياسي والمالي في لبنان”. وجاء في فقرة تحت عنوان “وفيق صفا” معطيات أهمها: “صفا هو المسؤول عن وحدة الاتصال والتنسيق التابعة لـ”حزب الله”، وعن تنسيق “حزب الله” مع المجتمع الدولي ومع الأجهزة الأمنية اللبنانية. عيّن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله صفا في العام 1987 كرئيس للجنة الأمن التي تم تغيير اسمها لاحقا ليصبح وحدة الاتصال والتنسيق. صفا أحد قادة “حزب الله” البارزين وجزء من الدائرة المصغرة للأمين العام حسن نصر الله.

استغل صفا بحكم منصبه كرئيس لجهاز الأمن في “حزب الله” الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن “حزب الله”. فعلى سبيل المثال، استفاد “حزب الله” من صفا لتسهيل مرور المواد، بما في ذلك المخدرات غير المشروعة والأسلحة، عبر ميناء بيروت في لبنان. وقام “حزب الله” بتوجيه شحنات معينة عبر صفا بالتحديد لتجنب عمليات التدقيق. واعتباراً من العام 2018، قام “حزب الله” أيضاً بتسهيل الخدمات في مطار بيروت. وسهل صفا عمليات السفر لشركاء “حزب الله” عبر معبر حدودي”.

الاتجاه المعاكس لقرارات وزارة الخزانة الأميركية، سلكه الأمين العام لـ”ـحزب الله” السيد حسن نصر الله في الكلمة التي أدلى بها في 14-8-2020، أي بعد عشرة أيام على #انفجار المرفأ. ومن أهم ما قاله نصرالله في الكلمة:

– “نحن بالنسبة لنا كـ”حزب الله” ننتظر نتائج التحقيق، البعض يحاول أن يقول لا، “حزب الله” يعلم كيف حصل هذا الانفجار، و”حزب الله” أساساً يعلم كل شيء في لبنان، ولديه استخبارات تعرف كل التفاصيل في لبنان، – طيب معليش أنا سابقاً قلت صيت
الغنى ولا صيت الفقر – لكن والله ليس هكذا يا جماعة، هناك الكثير من الأمور والمناطق والمؤسسات والأحداث لا نعرف بها وهي أصلاً ليست عملنا، هذه مهمّة الدولة والأجهزة الأمنيّة في الدّولة، نحن معنيون بالمقاومة، بالإسرائيلي، معنيون بأمن المقاومة المباشر.

– نحن لا نستطيع أن نتحمّل كامل الأمن القومي بالبعد الداخلي، لا نستطيع لا لأننا لا نريد، لا نريد وأيضاً لا نستطيع، لماذا تريدون أن تحمّلونا ما لا نطيق، هذه مسؤولية الدولة التي تمتلك موازنات وتجمع ضرائب دولة ولديها عدد كبير من الجنود وقوى أمن وجيش ووو.. على كلٍ نحن ليس لدينا رواية وليس لدينا تحقيق وليس لدينا معلومات دقيقة عمّا جرى في هذا الانفجار، ننتظر إذاً التحقيق.

– الله رحم أن جزءاً كبيراً من الانفجار ذهب بالبحر، الله رحم أنهم يقولون إن هناك جزءاً كبيراً من هذه المواد لم ينفجر وإلا لو انفجر 2700 طن كانت الكارثة أكبر وأعظم من ذلك بكثير.

– من الساعات الأولى بدأ التوظيف السياسي، الشيء المتعلق بـ”حزب الله” تحدثنا فيه منذ عدة أيام وانتهينا منه، وهذه قصة مخزن سلاح وصواريخ وعتاد وانفجر وإسرائيل فجّرت وكذا، هذه قصة صواريخ وسلاح وعتاد، هذا انتهى، لا أحد يمكن أن يصدق هذا الشيء في العالم، إلا الذين ما زالوا يكذبون فيه ومصرين عليه”.

بين نكران نصرالله الكامل لصلة “حزب الله” بالمرفأ، والتأكيد الأميركي مع كم هائل من التأكيدات حول صلة الحزب بالمرفأ عموماً، والعنبر 12 خصوصاً، تكمن الحقيقة. فهل من يجرؤ على استدعاء المدير الحقيقي لهذا العنبر؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى