لبنان

إلى شهداء المقاومة اللبنانية (بقلم عمر سعيد)

إلى شهداء المقاومة اللبنانية
أساسات معراب والوطن.

هنا حيث أحس أن الأرض خفيفة، وأحسها تلفظني، لا شيء يستحق مني الانتباه.
ذلك أن لا قبور هنا لشهداء يمنحون الأرض ثباتها الرصين.

فالناس لا يبكون إلا موتاهم، لأن الشهداء يوقظون في ذويهم كل شيء إلا الضعف والمصالح.
وسكان السماء لا يُصلُّون إلا لأجل أهل الحب المتعبين ..

تجمعوننا اليوم للننبعث من جديد نحن شهداء الحياة بحجم التضحيات التي وشمت أسماءكم على صدر الوطن.
ونجمعكم، لنعلن أن أرض الشهداء ليست تبور، ما دام في ترابها ما يحتم بعث الحياة.

لنعلنَ كل أيلول : أن قبور شهدائنا ليست تقايض بالمال، إنما تقايض بعودتهم أحياء وفي الناس الذين واكبوا قبورهم منذ الإقامة الأولى، ولأجل قضيتهم الحمراء..
لذا فإن قبورهم ليست برسم البيع..
إذ أن كل شيء قابل للاختزال، إلا الشهيد والوطن.

لقد كان بيني وبينكم ألفُ بندقية، وألفُ كيس رمل وتضليل، وألف عقل يؤمن بالمؤامرة وصراع الأرض مع السماء، يوم كان الوطن في ضفتي علبة تونة وكلاشنكوف ورنجر ومعاشاً لآخر الشهر وأمر مهمة عسكري يمكن حامله من العبور إلى تفاهات الشرق المهزوم..

وظللتم روحاً على الزناد.
حتى رتقتم بطينكم المقدس مزق وطن، أدماه هذا الشرق المفلس بقداسات وهمية، لم ترنا من معجزاتها إلا القتل واغتيال الحريات، واسوداد الأعمار في زنازينه التي تبتلع أبناء النور على مر العصور.

يا سادتي الشهداء :
قد يظن البعض أن هذه الأرض لم تفلح رسالتها..
لكننا نقول: إن هذه الأرض لم تكن يوماً إلا بِوحْي الأنبياء الأنبياء، ودم الرسل الرسل يوم امتشقوا الإنسان في الإنسان ولأجل الإنسان.

يوم لم تكن الدرب تشير إلى غير الوطن، كنتم في كل تلة وزاوية وشارع وحارة ومتراس وخندق وخلف كل جدار، كنت وبقيتم الوطن والصليب والثبات والإيمان.

يحل أيلول اليوم؛ وبيني وبينكم بحار وتراب، وأكثر من صوت وبحة..
وفي رأسي مشاهد لألف أم تشعل الشمع دموعاً في عينيها، وتمسح المساء عن أطر صوركم المعلقة في أرواح لم تزل على أمل.
وألف أب استعاض عنكم بألف ألف صلاة في معراب، لا يحضرها إلا الوطن و ألق دموعكم المهيب.

تلحّون على البال، فكأني أنا منكم، ومنذ أول ثقب أشرق في صدوركم بالدماء.

تلحون، وتلحون، وأعجز إلا عن الصمت والبكاء.

فلتكن كلماتي هذه صلاتي التي يحملها أيلول إليكم.
وليكن الوجْدُ الذي يحاصر كبدي أقل الاعتذار عن المسافة والتنائي..
إذ لا يعزيني في غربتي القبر إلا أنكم لم تغادروا ترابكم كما فعلنا نحن الضعفاء.
أحبكم وأحبكم وأحبكم..

ومني ولكل ذرة تراب في قبوركم وفوقها وحولها ألف حب وصلاة ورجاء.
ولتدم معراب ما دامت مداميكها من مبادىء الرجال، وقيم الأفعال التي لا تلتمس أقل من الوطن.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى