دفاع وأمن

مراحل تطور صناعة العبوات الناسفة البدائية

العبوة الناسفة البدائية ( improvised explosive device) تسمى أيضاً عبوة مرتجلة محلية الصنع وتعرف اختصارا IED . تعد من الوسائل غير التقليدية في العمل العسكري، وتصنع من المتفجرات التقليدية والقذائف القديمة غير المنفجرة، ومن مواد متوافرة في الاسواق كالاسمدة الزراعية. تعتبر عبوات IED أفضل صديق للارهابيين، فهي رخيصة وسهلة التصنيع، ويمكن إخفاؤها بعيداً عن الانتباه، بين أكوام القمامة وعلى جوانب الطرق، كما يمكن تفجيرها من مسافة آمنة إذا تم توضيبها مع جهاز تحكم عن بعد.

يعود بداية استعمال الارهابيين لعبوات IED لفترة الجهاد الافغاني (1980- 1988) حيث قام تنظيم القاعدة بإنشاء معسكرات لتعليم كيفية تصنيع المتفجرات من مواد متوافرة في الأسواق في اي بلد في العالم. وذلك لتذليل عقبة لوجستية رئيسية تتعلق بصعوبة نقل المتفجرات التقليدية عبر المطارات او المرافئ لاستهداف اميركا واروبا. كانت هذه المعسكرات بإشراف خبير متفجرات تنظيم “القاعدة”، مدحت مرسي السيد عمر (مصري الجنسية) معروف بـ”ابو خباب” (قتل في غارة اميركية على المناطق القبلية على الحدود الافغانية) فظهر الجيل الاول من خبراء عبوات IED وكان لديهم من الخبرة ما يكفي لصناعة عشرات انواع المتفجرات في اي مكان من العالم وبمواد متوافرة في الاسواق.

بعد سقوط افغانستان بيد القوات الاميركية وفقدان الملاذ الامن ومعسكرات التدريب، ظهر الجيل الثاني من خبراء عبوات IED وهم من الهواة الذين طوروا خبراتهم من منشورات ودراسات الجيل السابق على صفحات الانترنت، لم يتعلموا اصول التصنيع المخبري والتعامل مع حساسية المتفجرات، هذا ما تسببت بمقتل العديد منهم. فالتصنيع المخبري من قبل هواة ينتج مواد متفجرة غير مستقرة، وهي عرضة للانفجار مع مرور الزمن بسبب صعوبة تنظيفها من الاحماض المستعملة خلال مراحل التصنيع، ما دفع بالارهابيين الى عدم تخزين المواد، واستعمالها مباشرة بعد التصنيع وهو عيب رئيسي يحد من قدرات الارهابيين.

ظهر الجيل الثالث من خبراء عبوات IED خلال حرب العراق الثانية 2003-2011، فقد استخدمت على نطاق واسع ضد قوات التحالف، بحلول نهاية عام 2007 كانت عبوات IED مسؤولة عن 64٪ على الأقل من وفيات قوات التحالف في العراق. اكتسب الجيل الثالث خبرة واسعة في تصميم عبوات موجهة خارقة للدروع، كما اكتسبوا خبرة في اخفاء وتمويه العبوات (المعروفة بمصائد المغفلين). كما تم ابتكار العديد من أجهزة التحكم عن بعد لتفجير العبوات.

استخدم تنظيم “داعش” (وارثاً شيئاً عن أسلافه في تنظيم “القاعدة في العراق”) عبوات IED بتأثير مذهل ضد القوات العراقية ووحدات الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانبها. وفي تغيير طفيف، مال “داعش” إلى استخدام هذه العبوات الناسفة بفعالية في عمليات الهجوم حيث كان يرسل آليات تحتوي على كميات كبيرة من المتفجرات لتدمير التحصينات ونشر الرعب في صفوف المدافعين قبل مباشرة الهجوم البري.

تطور نوعي لصناعة المتفجرات في اليمن (العبوات المخفية)

ظهر في اليمن تطور نوعي في صناعة المتفجرات حيث تم تصميم ما بات يعرف بالعبوات المخفية هدفها إستهداف قطاع النقل الجوي العالمي بكلفة زهيدة وتكبيده خسائر مالية كبيرة

في تشرين الأول 2010، بدأت (عملية الطابعات) عبر تجهيز طابعتين بالمتفجرات المُتطورة وذلك عن طريق حشو علبة الأحبار بالمواد المتفجرة وإغلاقها بإحكام ثم إرسالها الى المكان المستهدف. نجحت “القاعدة” بشحن الطابعتين إحداهما مرسلة عبر شركة UPS والأخرى عبر شركة FedEx الأميركيتين، إلى مركز يهودي في شيكاغو، واستطاعت العبوات تجاوز عدد من المطارات ومنها مطار هيثرو الدولي، ولم يتم كشفها الا بعد عدة أيام وعبر معلومات عن الطرود من مصدر معلومات يعمل مع احدى اجهزة المخابرات.

فمن خلال هاتفان من نوع “نوكيا” بسعر 150 دولار للواحد، طابعتان بسعر 300 دولار للواحدة، إضافة إلى نفقات المواصلات والشحن، لتصل مجموع النفقات إلى “4200” دولار… هذه هي كلفة عملية العبوات المخفية التي تحولت الى معضلة لقطاع النقل الجوي في العالم.

نجحت العبوات المخفية من تكبيد قطاع النقل الجوي مليارات الدولارات في أكبر عملية تحديث لأجهزة كشف المتفجرات في المطارات حول العالم. وقد أمضى خبراء مكافحة الارهاب الآف ساعات العمل لمحاولة فك اسرار العبوات التي كانت خفية على أحدث اجهزة كشف المتفجرات المستعملة في حينه.

بعد أكثر من خمس سنوات على اللغز الذي حير خبراء المتفجرات قررت القاعدة نشر “براءة اختراعها” لتضع تفاصيل عبوتها المخفية في متناول جميع الارهابيين حول العالم. ففي 23 كانون الاول من العام 2014 نشر خبير المتفجرات (الملقب بالطباخ) على صفحات مجلة “انسباير” اسرار عبواته التي شكلت كابوساً لسلطات النقل الجوي وأجهزة الأمن الدولية لفترة طويلة من الزمن. مجلة “انسباير” التي تصدر عن تنظيم “القاعدة” في الجزيرة العربية نشرت بالتفاصيل والصور تصميم عبوة مموهة تستطيع اجتياز جميع التدابير الأمنية المتبعة في المطارات حول العالم.

“طباخ” القاعدة …اخطر صانع متفجرات في العالم

برز السعودي إبراهيم العسيري (الطباخ) كخبير في صناعة المتفجرات بعد اندماج جناحي القاعدة في اليمني والسعودي ليشكلا “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”. فإبراهيم بن حسن العسيري، يعيش في اليمن حيث مقر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بعد أن تهاوى تواجد التنظيم في السعودية بعد ضربات أمنية عديدة بدأت منذ العام 2003 حتى اتجه التنظيم للاندماج مع قاعدة اليمن العام 2009.

كان العسيري قبل أن ينضم إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب جزءا من خلية تنتمي للقاعدة في السعودية وشارك في التخطيط لتفجيرات منشآت نفطية في المملكة. واعتقلته السلطات السعودية في 2006 وسجن تسعة اشهر لمحاولته دخول العراق للانضمام لجماعة متشددة هناك. وبعد الافراج عنه حاول العسيري انشاء خلية جديدة للمتشددين داخل السعودية. غير أن الشرطة داهمت المكان الذي كانت تعقد فيه الاجتماعات وقتل ستة من زملائه في حين فر هو وشقيقه إلى اليمن حيث انضم العسيري إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

صنع إبراهيم العسيري متفجرات مكوّنة من تيترانيترات البنتايروتريول، وهي مكونات يصعب رصدها، بفضل مُفجّرها الكيميائي الذي يخلو من أي قطعة معدنية، وبالتالي يمكنها عبور كل نقاط المراقبة الأمنية تقريبا في كافة المطارات الدولية دوم مشاكل.

بداية عملياته كانت مع صناعة قنبلة خبأها في جسد أخيه عبد الله وأرسله إلى المملكة العربية السعودية لاغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في 2009 مكونة من تلك المادة، لكن المحاولة باءت بالفشل ولم يقتل فيها سوى الانتحاري.

بروز إبراهيم العسيري على الصعيد العالمي، كانت في عام 2009 بعد أن زرع في ملابس عضو التنظيم النيجيري عمر فاروق قنبلة مخبأة بطريقة ذكية خلال رحلته المتجهة إلى الولايات المتحدة، لتفجير الطائرة فوق مدينة ديترويت الأميركية إلا أنها لم تنفجر، ما ساعد مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) في التعرّف على بصمة العسيري الموجودة على القنبلة، وتضعه في دائرة الاهتمام والمتابعة إلى جانب كبار القاعدة الذين يعدون العقول المدبرة لعدد من الأفكار التخريبية كأنور العولقي وخالد شيخ محمد.

وقد دفعت محاولاته إلى تشديد الاجراءات الأمنية في مطارات العالم، وتم استخدام الماسح الضوئي (سكانر) للجسم، والماسح الضوئي العامل بالمايكروويف.

كما أفاد تقرير سري لأجهزة الاستخبارات الأميركية، نشرته أسبوعية “نيوزويك” في 2012، بأن صانع قنابل القاعدة قد حاول بالتعاون مع طبيب سوري إيجاد طريقة لزرع متفجرات داخل الجسد البشري، ممّا يجعل من المستحيل تماما رصدها.

تادي عواد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى