تحت المجهر

قُبَلٌ في سوح الوطن (بقلم عمر سعيد)

ملاحظة : من لم يثر لأجل حبيبته ، فلأجل من سيثور؟! .

يحق لتلك الشفاه التي جفت خلف الأغاني و الهتافات ، أن ترتوي بالقبل ، وأن تستعيد علاقة الإنسان بالإنسان من حقول الذكورة والأنوثة ، إلى عشتار وتموز ، إلى كل مواسم الخصوبة المقدسة .. .فإن لم تقدس الثورة الحب والعشق والجسد ، فما الذي سيقدسه ؟!

أيقدسه رباط ديني اختصر منبت السلالة البشرية كلها بولوج اللحم في اللحم فقط ؟!
وأهمل نصفي الإنسان ، ذينك النصفين اللذين عرفهما بدوي أعرابي هو زهير بن أبي سلمى قبل الوحي بعقود ، يوم قال :
” لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
وما تبقى إلا صورة اللحم والدم ”

أولئك الذين انحسرت عقولهم بين الطهارة والنكاح ، فأضاعوا الإنسان على محامل الاتهام وتشويه حريته .
وجعلوا من الأنثى جارية وسبية ، ينبغي حجبها ومواراتها في المخادع ، لقطعنة السلالة البشرية ، وتمكين حيونتها على الإنسان ، وإعدام كل محاولات التغيير ، كي لا يرتقي جسد الأنثى إلى إنسان ، وكي يظل جسد الذكر فعّالة جنس وخنوع وتزلم ، ليس أكثر ..

قبلي أيتها الأنثى الثائرة حبيبك الثائر ..
قبليه تحت أنوار مشاعل الحرية كلما داهمك الخوف على الوطن فأنت منصة الصعود إلى الضوء ، وعانقيه كلما اجتاحك التعب رجلاً بوطن يعدك بسلالة من الأحرار خلف الإطارات المشتعلة .
وأقيمي عرسك بين سواعد الثوار ووسط أهازيج الغضب المبشر بحقول من خلاص ، فقد مللنا الإقامة بين البنادق و الأكفان ..

يحق لشفاهك أن تعطي القبلات طعم الثورة ونكهة الحرية والدم المشتعل عشقاً ..
فأي أَسِرّة أشد نقاء من سوح تتسع لأجساد غَاضَبَتِ الليالي والشهوات لأجل الوطن ؟!
وأي وَثْرَةٍ ألطف بالمُحِب والجمال من سوح تشتعل بالهتاف والعرق وأحلام الثائرين ؟!
وأجمل الأوطان وطن يغص بالأعلام و الأحرار ..

فالحر لا تلده عبدة ، فالعبدة ما نزلت إلى المساحات المفتوحة للضوء والنار والحب والحرية ..
لأن العبيد قد لازموا بيوتهم ، وخشوا نظرة الموروث المتحجر لهم ..
وغضوا بصرهم عن غد مشرق ، وأقاموا الرؤية في ماضي يعجز عن النهوض.

قبلوا .. ففي تلك القبل الثائرة تقيم أجيال وطن لا يُختزل ، ولا يُقسم ، ولا يُجزأ طوائف وأحزاب ومذاهب كراهية ورفض واستلاب..
قبلن .. ففي تلك القبل الثائرة دم ؛ يحمم بجينات العزيمة والإصرار على خلع كل أردية التردي والتخلف والتواكل والسُكنة في المزيف المفقود .
قبلوا .. فستشتعل كل قبلة ثائرة نجماً يطل نوراً فوق الساحات كلما هددها الفاسدون بالسواد .

فأي شكل سيكون لوطن يخلوا من الحب الجريء الحر ؛ الذي لا تخشى قدسيته لومة الغشيم الجاهل الكافر بالحرية والإنسان؟!
وأي وطن ذاك ، الذي سيطل من خلف عقول ، لا تتقن إلا الخشية والحذر والخوف والمجاملة والإقامة في المجهول العاجز ؟!

قبلوا وقبلن ، ففي قُبَلكم كل حب فقدناه في هذا الشرق ؛ الذي شوه كل قيم السموات والأرض ، ليقيم مكانها قيم الحاكم الذي ما أقام وطنه خارج ما بين افخاذ الجواري والقيان .

قبلوا قُبَل عنترةَ إذ رأى ابتسام عبلٍ في بريق سيوف الحرية :
” ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم ”

قبلوا .. فكل قبلة ثورية زهرة في صدر الحرية وطلقة في جبين الجهل الخائف من الحب.

عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى