تحت المجهر

حريق العبدة وتفاصيل الفضيحة الكبرى

هل وصلت أساليب تهريب النفط من لبنان إلى الداخل السوري، إلى حدّ استعمال المنشآت الرسمية الخاصة بالدولة؟

الثلاثاء، فجّر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قنبلة على صفحته في “تويتر” حينما شكّك بأن يكون حريق أنابيب النفط الذي اندلع في منطقة العبدة صباح يوم السبت الفائت، سببه عمليات ضخّ نفط من مصفاة الشمال إلى سوريا، سائلاً: “هل انتقلنا إلى هذا الحجم من التهريب، وهل إنّ تجّار النفط يأتون بسفن غير شرعية لتهريب النفط المدعوم؟”.

قبل جنبلاط، كان المهندس الدولي في تكرير البترول والبتروكيمياء جمال فحيلي، أوّل من حذّر عبر منشور على صفحته في “فايسبوك” بعيد ساعات من اندلاع الحريق، من احتمال استخدام هذه الخطوط في عمليات تهريب النفط أو المازوت أو ربما البنزين، إلى الداخل السوري، في وقتٍ كانت وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية تضعه في إطار التخريب والسرقة.

“الوكالة الوطنية للاعلام” نقلت في حينه، عن أنّ مجهولين قاموا ليل الجمعة – السبت بـ”إحداث ثقوب عدة في خط أنابيب نفط كركوك – طرابلس”، ثم أضرموا بها النار. فيما ربطت وسائل إعلامية أخرى الأمر بعمليات سرقة محتملة للمنشأة أو لمعداتها. إلاّ أنّ الأمر بدا ضرباً من ضروب التنجيم، ولم يقدّم أحد رواية متماسكة تشرح للرأي العام ماذا حصل حقيقة.

“أساس” سألت فحيلي عمّا كتبه قبل أيام، فذكّر بما أشار إليه عن أنّ الحريق اندلع في خط أنابيبIPC  (Iraq Petroleum Company) الذي كان فيما مضى ينقل النفط الخام من آبار كركوك إلى مصب البداوي، يترك أكثر من تساؤل. فالخط توقّف عن العمل منتصف الثمانينات، بعد الخلاف المستفحل بين النظامين في بغداد ودمشق. أما اليوم، فهذا الخط بات خارج الخدمة منذ أكثر من 35 عاماً، وقد أكّد وزير الطاقة المستقيل ريمون غجر غداة زيارة الوفد الوزاري العراقي للعاصمة بيروت، الصيف الماضي، عدم أهلية هذا الخط، وذلك ردّاً على أسئلة أحد الصحافيين.

وعن احتمال وجود نفط داخل الأنابيب، قال فحيلي: “لدى إيقاف أحد الخطوط عن العمل لمدة طويلة، يُصار إلى إفراغها لدواعي السلامة العامة. لكن فلنفترض أنّ الخط لم يُفرّغ بسبب الخلافات السياسية، وما زال يحوي مادةَ النفط الخام، فادّعاء أنّ هذه المادة تسبّبت بالحريق وكان دافعه السرقة، هو كلام غير منطقي أبداً، لأنّ السارقين لن يتكبّدوا عناء سرقة مادة لا يمكنهم بيعها أو الاستفادة منها. فالنفط الخام يحتاج إلى تكرير لتحويله إلى محروقات يمكن الاستفادة منها”.

ولدى سؤاله عن كيفية معرفة ما الذي حصل تحديداً صباح السبت الفائت، قال إنّ “تحليل المادة المتسرّبة من أجل معرفة نوعيتها، هو أول مراحل التحقيق الذي يقطع الشك باليقين”، لأن “الإضاءة على هذه الحادثة ومعرفة أسبابها ضروريّ جداً. فالخط يمكن استعماله، بعد إجراء بعض التعديلات التقنية، بالاتجاه المعاكس، ويمكن نقل المشتقات النفطية من مصبّ طرابلس إلى مصب بانياس في سوريا، طبعاً بعد إخضاعه لعملية تنظيف من محتواه من مادة النفط الخام”.

ويستطرد فحيلي في القول إنّ “كمية النفط أو المادة المتسرّبة من الخطّ، توحي وكأنّها أُفرغت عمداً في البحر، وهذا ما يؤشر إلى مساحة المنطقة الملوّثة عند سواحل العبدة”، مذكّراً في الوقت نفسه بـ”فشل إفراغ ناقلة البنزين في مصبّ الزهراني ثم نقلها إلى سوريا (ناقلة Jaguar S)، الذي يقود إلى تساؤلات عدة، ومن ضمنها احتمال البحث عن وسيلة أخرى تضمن نقل المشتقات النفطية بشكل آمن وبعيد عن أعين قانون قيصر” الأميركي.

فحيلي، يختم بالتأكيد على “ضرورة التوسّع في التحقيق في حريق العبدة، من أجل الحفاظ على سلامة الناس والبيئة أولّاً، وثانياً لضرورة الحفاظ على ما  تبقّى من احتياطي مصرف لبنان من العملة الصعبة”.

وبحسب خبراء نفطيين مطلعين على خط “كركوك – طرابلس”، فإنّ مسار هذه الأنابيب (بحسب ما تظهره الصورة أعلاه)، ينطلق من كركوك في العراق، ويدخل الأراضي السورية، ثم ينفصل إلى خطين عند الحدود، الأول يصبّ في بانياس على الساحل السوري حيث يوجد مصفاة لتكرير النفط الخام، فيما يصبّ الثاني في طرابلس على الساحل اللبناني. أما عند استعماله بالطريقة المعاكسة، فيصبح انطلاق أو ضخّ أيّ مادة نفطية من الشاطىء اللبناني في طرابلس صوب الحدود السورية الشرقية، ثم تلتفّ لتعود تبعاً لسير الخط صوب بانياس.

في المبدأ، فإن الأنابيب بحاجة لمحطات ضخ، تُثبّت غالباً على الخط كلّ 150 كلم تقريباً، وبما أنّ المسافة الفاصلة بين طرابلس والحدود السورية ليست طويلة أبداً (أقل من 60 كلم كخط مستقيم)، فإنّ الأمر قد يكون بحاجة إلى محطتي ضخّ فقط، الأولى محطة الضخّ في طرابلس والأخرى عند الحدود، حتى يصل النفط أو المازوت أو أيّ مادة مهرّبة أخرى إلى الداخل السوري، خصوصاً أنّ نحو 90% من العمل المطلوب إنجازه من مدّ أنابيب او معدات منجزٌ كلياً وموجودٌ أصلاً، ولا حاجة إلاّ لتبديل المضخّات القديمة فقط.

ولعلّ البيان الذي أصدرته المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة والمياه، يؤكّد ما خلصت إليه استنتاجات الخبراء، من أنّ ضخّاً كبيراً ناتجاً عمّا أسمته “خطأً تقنياً” من الجانب السوري “أدّى إلى اختناق الخط، وتبعه تسرّب مباشر، وليس اعتداءً بهدف التخريب أو السرقة”، من دون أن توضح المديرية ما كان سبب “الضخّ الكبير” طالما أنّ الخط متوقّف منذ عقود. لكنّ هذا كله يتقاطع مع الاستنتاجات حول محاولة تفريغ الأنابيب وتنظيفها، تمهيداً لاستعمالها في عمليات التهريب التي باتت أقوى من الدولة، لا بل تستخدم منشآتها ودعمها بدولار الاستيراد، فيما هي تغطّ في سِنةٍ ونومٍ عميقين… وتحلم بالسيادة!

المصدر: أساس ميديا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى