رأي حر

علّمتني التصفّح يا أبتي… (بقلم جاكي حنا)


“أتصفّح وجوهكم” :
يوم سمعت كلمتك تلك، كان فرحي عظيم، بقيت كلمتك ترن في أذنيّ نهاراً كما ليلاً .
مراراً كنت أشعر بعينيك تقارب وجهي كلما كان بيَّ ضيقٌ .
مراراً كنت أراك واقفاً في نافذتك، وناظريك يجولان علينا وبيننا… وفجأة يصلان الى ناظريّ …فتصمت الدنيا، إذ أسمع عينيك تقول لي الكثير الكثير ….
…وكم غرفت قوة من ناظريك تلك، يا أبتي.
مراراً وبجولات البؤس، كنت ألمح طيفك وأنت تبارك لاعنيك في ذاك اليوم المشؤوم ، أكرر وأكرر شريط الحدث، فأرى نفسي تعظّم الرب لما أنعم به علينا بوجودك بيننا .
مراراً وبمواقف الغضب والسخط واختلاط المرارة والكآبة، كنت أسمع صوتك قادماً مع الريح وبه عذب النداء :
” أتصفّح وجوهكم ”
كم وكم وكم رافقتني تلك الكلمتين
حيناً كنت أفرح وأحياناً كنت أبكي خجلاً، للحظات ضعفٍ كانت تحملني وباليأس تكاد ترميني ….
تراني اليوم
أتصفّح جبينك أبتي ….
كم من الضيقات عاند ؟
أتصفّه خطوطه؛ كم من الطعنات تلقّى ؟
كم من عواصف غيظ الإحتلال جابه ؟
كم من مرارة خيبات الظنّ ارتشف ؟ ….
….. وتلك العينين الحنونتين .. وآه يا ربّي وكم تدمع عيناي لطهارة الحنّية التي تشعّ من عينيك تلك يا أبتي
أتصفّح اعتلاء رموش عينيك لمواكبة جفونك وشعاعات دفء محبتك يلطع نفسي ويكوي حنيني ….
…. حنيني ….. له قصة أخرى ….
أحنّ .. ولماذا أحنّ ؟ أحنّ الى أن أتصفّح سِمات وجهك …. لأفرح مع بسمة عينيك ….
أحنّ الى أن أقرأ وأقرأ خطوط الحكمة الأربع التي نحتها ثقل هموم الوطن لعقد من الزمن على جبينك بشكل ” أربع سبعات” …. وما حكاية الخطوط الأربع سبعات ؟
كانت أمي تقول دائماً : ” مَن كانت تجاعيد جبينه أربع سبعات فوق بعضها، هو دليل على أنه قديس” . رحلت أمي منذ خمسة عشر سنة ، وما برح كلامها يبشبش في أُذنيَّ كلما رأيتك وفي كل المناسبات …. كنت أتصفّح جبينك ذاك، ذو ال ” أربع سبعات” ترتسم أكثر وأكثر سنة وراء سنة .
ما عساني أقول لك يا أبتي ؟
أضناني الحزن ، مع العلم أنني مدركة بأنك بدأت حياة الراحة الأبدية بجوار ربنا، وبأنك ستخبر الرب يسوع بأننا بحاجة لرأفته ولسماحه وستتوسّط لنا بصلاتك ….. ولكن الحزن دائما يضنيني …..
سامحني يا أبتي، سامحني يا أبتي لأنني وحين قدّمت استقالتك، لم أكن عند حسن ظنك، فلم أذهب الى ساحة بكركي لأصرخ مُطالبة بعودتك عن استقالتك لأثبت لك كم مكانتك مهمّة في قلوب رعيتك … سامحني لأنني أنا لم استطع بعد سماح نفسي، سامحني أرجوك .
سامحني؛ هكذا الإنسان دائما يا أبتي؛ لا يعرف عمق المحبة إلا ساعة الفراق
أبلغ سلامي لأخي ولأمي ولأبي ولجميع شهدائنا الأبرار ، ولا سيما منهم رفيقي موريس الفخري، ورفيقي نادر نادر، ورفيقي سليمان عقيقي، ورفيقي ابراهيم وهبة ….. وخيّي جاكسون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى