من هنا وهناك

من الطفل دانييل يونس / بقلم عمر سعيد

إلى أمّي الثّانية (السّيدة التّي تكفّلت بعلاجي)

بداية اسمحي لي أن أناديك ماما!
وليتك تشعرين كم يطمئنّي إحساسي بأنّ لي أمّين!

اليوم وأثناء مراجعتي الطّبيب الّذي أوصيته بي، كنت أنظر من وقت لآخر إلى باب العيادة، وأتوقّع دخول امرأة لا أعرفها، لكنّي أنتظر أن تحضنني، وتبتسم لي، فأعرف أنّها أنت ماما الثّانية
غير أنّي وعلى الرّغم من عدم حضورك، استطعت أن أتخيّل أنك قد كنت في العيادة، وقد فاض ضوء ابتسامتك على جسدي المتعب.

آه يا ماما لو أنّي أستطيع أن أشرح لك معنى مرور كفّ الطّبيب على رأسي الصّغير، وكيف أنّي كدت أنسى كلّ تعب الطّريق مذ بدأت معاناتي مع مرضي وإلى اليوم.

كان أبي وأمّي إلى جانبي، وكنت أنت في عوالمي الجوّانيّة، شعورًا وامتنانًا، وأمًّا أنتظر لقاءها يومًا، فأخبرها عن نعمة الأمّين: أمّ ترعاني لأنّها ولدتني، وأمّ ترعاني لأنّ الله باركها بنعمة المحبة الإحسان.

ماما
أريد أن أخبرك أنّي طفل صغير، يكاد لا يستوي القلم بين أصابعه، ليكتب اسمه.
ولأني لا أعرف كيف أكتب، تكفّل عمو عمر سعيد بالكتابة عنّي.
وأنا أثق بأنّه سيعرف كيف يصغي إلى قلبي الصٌغير، ويفهم امتناني كطفل، وينوب عنّي في ترجمة كلّ ما أشعر به، وأجهل التّعبير عنه، إلى كلمات. كلمات تشكرك عنّي وعن أبي وأمّي وأسرتي وأصدقائي الصّغار.

فلكم قضت أمّي ليلها تتقلّب خوفًا وهي تصلّي لأجلي! وكم سهر أبي ليله عاجزًا وحائرًا بحالي! وأنت لا شك تعرفين ما نحن فيه داخل بلد يبتلعه الكبار، ومثلي أصغر من أن يتجنب قسوتهم.
ولكم انقطعت عن اللّعب مع رفاقي وأصدقائي، لانقطاع علاجي ودوائي.

حتى أتيت أنت بفرصة جديدة لي.
فرصة تجعلني أكمل طفولتي بين كلّ الذين أحبوني، وليتها تمنحني حياة تساعدني لأكتشف ما ينتظرني بعد عشر سنوات وأكثر!

ماما..
ليس عندي ما أقدمّه لك بدل صنيعك معي! لكنّي أعدك أنّي سأنتظرك وأكبر، لعلّي ألتقيك، وأقبل خدّيك كما أقبل خدّي أمّي الأولى كلّ يوم.

وأعدك أنّي سأنظر كلّ يوم إلى عصفور على غصن، وإلى زهرة في حقل، وإلى ساعٍ في الصّباح، وإلى طفل فقير في الشّارع، وإلى قطّ مسكين يبحث عن طعامه بين البيوت، وسأقول لكلّ منهم:
أنا أحبّك كما تحبّني ماما الثّانية، فلا تقلق، لأنّ المحبين في الأرض لا يتعبون.
فشكرًا لك..
وأحبّك..
طفلك الصّغير دانييل يونس.
بقلم
#عمر_سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى