لبنان

باسيل في عكار… رحلة صاخبة لمهرجان انتخابي هزيل

على مدى ساعات من الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة، يجلس اللبناني جان البازي مع عشرات آخرين في الملعب البلدي في بلدة رحبة، بأقاصي عكار. يضع قبعة برتقالية على رأسه، يحمل بيدٍ علم التيار الوطني الحر، وبالأخرى صورة زعيمه جبران باسيل موقعة بعبارة “كنا.. ورح نبقى هون”.
نسأله عن سبب حضوره المهرجان، فيجيب “المدن”: “لأننا مع رئيسنا العماد ميشال عون منذ الثمانينات، وعشنا معه كل أنواع الحروب، ونشعر أن زعيمنا باسيل مثله تمامًا، رجل نظيف وطني نمشي معه حتى النهاية. نأسف أنهم لا يسمحون له بالإنجاز والعمل، ويتآمرون ضده. لكننا سنبقى معه أوفياء حتى النهاية، لأن قضيتنا مسألة وجود ضد حرب الإلغاء، وهذا الولاء نورثه لأبنائنا حتى يبقى ويكبر”.

نوستالجيا وطريق شاق
هنا في رحبة، وهي واحدة من أكبر القرى الأورثوذكسية في عكار ولبنان، يترسخ وجود العونيين، كأقرانهم من كل مناطق لبنان، كتجسيد للولاء لميشال عون أولًا، حين كان زعيمًا لتيارهم، أكثر مما هو لشخص الوزير باسيل. وهم يرون في الأخير نموذج الزعيم الأول، ويثير لديهم نوستالجيا الرئيس عون. إنهما شخصان لا ينفصلان بالنسبة لهم. وهو ما يتجلى بيافطاتهم وشعاراتهم وخطابهم. يهتف بعضهم للرئيس عون، فيردّ آخرون للزعيم باسيل. وهكذا دواليك.

وعلى أطراف الطرقات في رحبة، حيث تتدلى أعلام التيار، ويافطات الترحيب بزعيمه في زيارة كانت محفوفة بالاضطرابات والمشاكل والقلق، نجد صور الرئيس عون تتصدر المشهد. وللوهلة الأولى، يظن العابرون أن طبيعة التحضيرات هي لمهرجان رئاسي بامتياز لا لمهرجان لائحة انتخابية، لم يحضره كل أعضائها. فعشرات الملالات ونقاط التفتيش للجيش والدرك، تكثفت منذ الوصول إلى مفرق حلبا حتى بلدة رحبة، في مشهد يثير التساؤلات بالنسبة لكثيرين، إن كانت هذه الاجراءات تتخذ بحالة طبيعية لزعيم تيار سياسي في لبنان.

وهناك، تحولت رحبة إلى ما يشبه بلدة عسكرية، قبل ساعات من وصول باسيل. إذ شهدت بعض أطرافها مواجهات متنقلة بين مناصري وبعض خصوم التيار الذين عبروا عن رفضهم لزيارته، تخللها تضارب بالعصي والحجارة، ما أدّى لإصابة عدد من المحتجين بجروح مختلفة، على إثر تدخل الجيش لتفريقهم. وتضع أوساط التيار هذه التحركات باطار التضييق المتعمد عليه، من أطراف سياسية وشعبية معروفة، تتلطى بشعار الثورة والثوار من وجهة نظرهم، وفق ما قالته لـ”المدن”.

مهرجان محرج؟
وواقع الحال، بدت ملامح الغضب والقلق على كل الحاضرين في هذا المهرجان. من جمهور لم يكن غفيرًا، إلى المنظمين والحرس وكل المتابعين لشؤونه، ما استدعى الطلب من الجمهور الجلوس في الصفوف الأمامية وإزالة عشرات الكراسي الفارغة. وقد برر المنظمون ذلك، كما الوزير باسيل، أن الظروف الأمنية عبر “قطع الطرق والضرب بالحجارة والتهديد بالسلاح وبقتل الناس هو ما أراد تخريب المهرجان كما الانتخابات”.

أما المفارقة اللافتة، أن هذا المهرجان المخصص للائحة التيار الوطني الحر التي تحمل شعار “عكار أولًا”، لم يحضرها مرشحوها عن المقاعد السنية، وفي طليعتهم رئيسها محمد يحيى وهو من وادي خالد، إلى جانب حاتم سعد الدين من ببنين وكرم الضاهر من برج العرب.

مرشح الأسد
وتفيد معلومات “المدن” أن هؤلاء لم يحضروا المهرجان كامتصاصٍ للاضطرابات التي رافقت زيارة باسيل أمام أبناء مناطقهم ذات الغالبية السنية، إضافة إلى حساسيات بين أقطاب هذه اللائحة الواحدة.

وتشير معلوماتنا أيضًا أن المرشح محمد يحيى، يصب كل جهوده للفوز بمقعد سني، وهو سبق أن ترشح في انتخابات 2018 وحاز على نحو 9 آلاف صوت، وهو يعد موالياً بقوة للنظام السوري، ويصفه كثيرون بمرشح الأسد في عكار. وهو ما يدفع باسيل إلى التعويل عليه بتوفير حاصل في اللائحة، إلى جانب حاصل آخر يسعى لتوفيره مع النائب أسعد درغام ابن بلدة هيتلا، كما قال باسيل إن لائحته في عكار قادرة على توفير 3 حواصل.

إطلالة باسيل
ولأكثر من ساعتين من الموعد المقرر للمهرجان، بقي أنصار التيار ينتظرون إطلالة باسيل، الذي حضر بموكب يتألف من أكثر من 10 سيارات، ومطوق بعناصر من أمن الدولة. ولسوء حظه في يوم عكاري طويل، طرأ عطل كهربائي على المهرجان، ما اضطره للانتظار المزيد من الوقت محصنًا بموكبه وحراسه. وقبل ترجله، كان يهمس أنصاره بشعارات مبايعته. فقال أحدهم “سنستقبله بالهتاف: الله المسيح جبران وبس”، فرد آخر: “دعنا نقول الله لبنان جبران وبس”.

وخلافًا لما هو مقرر بسبب الأحداث الطارئة، اقتصر المهرجان على كلمة باسيل من دون أي كلمات لمرشحي لائحته الذين بدا الارباك عليهم أيضًا.

اللاجئون السوريون واللامركزية
وفي البداية، توجه زعيم بالتيار بشكر من وصفهم “أبطال عكار”، “لأنهم حضروا رغم كل شيء، جئت لقول كلام هادئ، كتبته حتى لا أخطئ”.

واستنكر باسيل ما شهدته عكار قبيل مجيئه قائلًا: “لا يعقل أنه في كل انتخابات نريد فيها زيارة منطقة أن نواجه مشاكل لصدنا. وهذا برسم الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي ووزرائها وعلى رأسهم وزيري الداخلية والدفاع”. وتساءل: “كيف نريد انجاز انتخابات ونتحدث عن تكافؤ فرص فيما لا نستطيع زيارة منطقة مثل عكار، فيما التيار وحلفاؤه لديهم قدرة على الفوز بثلاثة نواب فيها؟”.

وحول عكار قال باسيل: “الدولة المركزية قصّرت مع عكار، ولكن عكار لم تقصر مع الدولة، بل أعطت شبابها للجيش والقوى الأمنية”. واعتبر أن “عكار مثل كل مناطقنا، بحاجة لنظام اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة”.

ولم ينس باسيل سوريا ونازحيها من خطابه. إذ أشار إلى أن “التحريض والحقد لا يبنوا وطنًا. ونحن نريد أن يعود النازحون السوريون إلى سوريا لأنه حقهم، ولأن أرض لبنان وامكانياته محدودة والنزوح مثل اللجوء، إذا طال يصبح شكلاً من أشكال التوطين ويؤدي لاختلال اجتماعي”.

وقال: “نحن نريد عود النازحين مقابل أفضل العلاقات مع سوريا. وبزمن الصراعات دفعنا ثمنًا كبيرًا في لبنان ودفعت سوريا من أرضها وشعبها ثمن المؤامرات، صار الوقت نعمّر ما تدمّر وعكار لها دور كبير بالإعمار وبالإنماء في لبنان وسوريا”.

وتوجه للعكاريين وأنصاره فيها برسالة مفادها: “أنتم أهلنا وأحباؤنا، والتيار قدم لكم أطيب شبابه أسعد النائب وجيمي جبور المناضل، وحيدر المغامر، ورفاقهم ترافقوا معهم ليجتمع الماروني والروم والسني والعلوي من دون فرق بين بعضهم”.

وفي تصويب غير مباشر على حزب القوات اللبنانية دون أن يسميه، ختم باسيل قائلا لجمهوره: “الخيار الكم، خذوه بحرّيتكم، ولا تسمحوا لا لمال ولا ترهيب ولا ترغيب أن يأثر بكم. أنتم القرار وأنتم أصحاب القرار ونحن نحترم قراركم”.

المصدر: المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى