قضايا الارهاب

أحمد الياباني.. كيف وصل «الجيش الأحمر الياباني» إلى لبنان؟

جو حمّورة – بيروت تايم

أقيم حفل يوم الجمعة، 31 أيار، في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث إحتفلت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بعملية عسكرية قادها ثلاثة يابانيين ضد إسرائيل في مدينة اللد عام 1972، وكان «بطلها» أوكاموتو.

وفي المخيم، أضرحة رمزية ليابانيين قاموا بتلك العملية، وينتمون، بالأساس، إلى «الجيش الأحمر» الياباني، أتوا عبر طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في تلك السنة، وحطوا في مطار مدينة اللد على بعد حوالي 20 كيلومتراً جنوب شرق تل أبيب. أفرغوا حقائبهم، إمتشقوا القنابل اليدوية والبنادق الأوتوماتيكية المخبأة في داخلها، وقتلوا 26 شخصاً في المطار، بينهم 8 إسرائيليين فقط.

«الجيش الأحمر» هذا، هو منظمة ثورية راديكالية يابانية، كان هدفها الأساسي الإطاحة بالحكومة اليابانية والحكم الإمبراطوري، يليها ما أسمته قائدة الجيش، فوساكو شيغينوبو، «بدء ثورة عالمية». ومنذ عام 1971، أعلنت المنظمة أنّ أعضاءها يؤمنون بـ«حرية الإنسان والشعوب»، وقد نفذوا عدة هجمات إرهابية حول العالم. أما داعمهم الأبرز، فكان نظام معمر القذافي في ليبيا، كما نشطوا في لبنان بعدما استقر فيه عدد من قادة الجيش الأحمر خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

ولأنّ الحروب والفوضى تجذب «الثوار» كما دائماً، أتى عشرات اليابانيين إلى لبنان في أواخر سبعينات القرن الماضي من أجل الكفاح في سبيل القضية الفلسطينية. بعضهم إستقر فيه لفترة، وغيرهم غادره سريعاً، إلّا أّن أغلب اليابانيين، كغيرهم من هؤلاء القادمين من أقاصي العالم، سرعان ما فهموا أنّ الحرب اللبنانية «غير كفاحية»، ولا يكترث أمراؤها جدياً لكل قضايا العالم، وطبعاً لا يكترثون البتة إلى «حرية الإنسان والشعوب».

عملية اللد إسرائيل كانت برعاية وتخطيط من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وبينما قُتل رفيقاه في المطار، تمّ اعتقال أوكاموتو بعد أن أصيب بجراح بليغة، حيث أودع السجن الإنفرادي في إسرائيل، ليعود ويُطلق سراحه عام 1985 في عملية تبادل للأسرى.

من بعدها، توجّه الرجل الياباني المحرَّر إلى ليبيا، ثم انتقل إلى سوريا، ليعود ويُشهر إسلامه ويستقر به الأمر في لبنان، متنقلاً بين مخيماته الفلسطينية الكثيرة المنتشرة في طول البلاد وعرضها، حيث بات إسمه الحركي «أحمد الياباني».

لم يعنِ هذا الأمر أنّ أوكاموتو عاش حياته بسلام في لبنان، إنّما على العكس. فقد تمّ اعتقاله من قبل السلطات اللبنانية عام 1997 بعد ضغوطات من الحكومة اليابانية التي أرادت إسترجاعه لمحاكمته بسبب عضويته في «الجيش الأحمر» التي تصنفه طوكيو بالمنظمة الإرهابية.

لكن الأمر انتهى، بعد أقل من ثلاث سنوات ونيّف، بتسوية ثلاثية الأطراف بين الحكومة اللبنانية، وتلك اليابانية و«الجبهة الشعبية»، وقضت بأن تسلِّم بيروت لطوكيو 4 يابانيين آخرين كانوا في سجونها، وهم، بالمناسبة، أعضاء في «الجيش الأحمر». في المقابل، يتمّ منح أوكاموتو لجوءاً سياسياً في لبنان، على أن تتعهد «الجبهة الشعبية» منعه من الكلام في السياسة أو التصريح للإعلام أو إثارة أي بلبلة محلية أو دولية، وهكذا حصل عام 1999.

والملفت في قصة أوكاموتو، أنّه الشخص الوحيد الذي منحه لبنان حقّ اللجوء السياسي بشكل رسمي، على الرغم من أنّ لبنان يحوي الكثير من اللاجئين السياسيين بحكم الأمر الواقع، وإن كانوا لا يُصنفون قانونياً بأنّهم كذلك. والملفت أكثر، كيف أنّ فصيل فلسطيني قليل التأثير، يدخل في تسوية مع دولة لبنان التي تأويه، وذلك كلّه خارج قواعد القانون وشؤونه الملزِمة.

الناظر إلى ملامح أوكاموتو في احتفال يوم الجمعة، يعرف أنّ الرجل البالغ من العمر 77 سنة، تعيس بكلّ ما للكلمة من معنى. يحمل فوق جفونه الكثير من الخيبات على ما حلّ بفلسطين التي أتى من اليابان لأجل تحريرها… أو ربما بات على يقين أنّ الفصيل الفلسطيني المسلح؛ «الجبهة الشعبية»، الذي تعامل معه، بات قليل الفعل والأثر، ولا يضم إلّا رجالاً من عمره، يتكلمون عن الماضي أكثر مما يتقنون الكلام عن الحاضر أو المستقبل.

حتى حين قام بوضع إكليل من الزهور على ضريح رمزي لرفاقه اليابانيين في مخيم شاتيلا، بدا الرجل متعباً يريد أن ينتهي من الأمر سريعاً حتى يعود إلى حيث أتى. أما الضريح، فلا يضم، بالواقع، رفات أحد، بل هو ضريح رمزي يجسد «كفاح اليابانيين والعالم من أجل القضية الفلسطينية»، على ما قال المتحدثون في اللقاء، فيما جميع رفاق أوكاموتو تركوا لبنان أو الدنيا، وبقي هو ينتظر أجله من دون الحق في الكلام حتى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى