تحت المجهر

جهوزية و إحترافية الصليب الأحمر اللبناني في مواجهة فيروس “كورونا” (بقلم أدولف عيد)

على الرغم من التقصير الفاضح للمؤسسات الرسمية اللبنانية المتخصصة بموضوع الصحة و الذي لمسه العديد من المواطنين اللبنانيين العائدين إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي و أنا واحد منهم, و الذي تَوجهُ ظهور إحدى المواطنات اللبنانيات عبر تسجيل فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي و التي كانت قد عادت توها من الصين, و قد تحدثت عن حجم التقصير و الإهمال في الإجراءات المتبعة على المطار من قبل أجهزة الرقابة المعنية بالصحة.

و المضحك المبكي أنه و بعد ظهور الفيديو على مواقع التواصل الإجتماعي لم يحرك المعنيون ساكنا, لا بل اكتفوا بالإتصال بالمواطنة و طلبوا منها التنسيق مع الصليب الأحمر اللبناني الذي كان سباقا و مسؤولا عند غياب “المسؤولين” حيث بادر متطوعوه بالإتصال بالمواطنة المذكورة و التي كانت قد عزلت نفسها في وقت سابق في إحدى الشقق في منطقة برمانا شعورا منها بالمسؤولية تجاه نفسها و تجاه مجتمعها.

فبعد التنسيق معها (علمنا بالموضوع فيما بعد) توجهت سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر اللبناني إلى المنطقة المذكورة حيث صودف وجود أحد الأصدقاء بالقرب من المبنى الذي تواجدت فيه الآنسة طالب. للوهلة الأولى اعتقد أنها سيارة إسعاف عادية وصلت لنقل حالة مرضية ما أو حتى حادث منزلي ليتفاجأ باللباس و الأقنعة التي كان يرتديها متطوعا الصليب الأحمر أي ال (PPE). هنا أحس بأن الحادثة غير عادية أو غير تقليدية و قرر مراقبتهما و عدم المغادرة.

إنتظر لبعض الوقت لحين خروج المسعفين مجددا من المبنى و تفاجأ أنهم أصبحوا ثلاثة لأن شخصا آخر كان يرتدي نفس الألبسة و الأقنعة الواقية و لكنه لاحظ على الفور أن الثالث كتب على ظهره كلمة (Patient) بالإنكليزية. تابع مراقبتهم لحين عزل “المريضة” في مؤخرة سيارة الإسعاف و التي كانت من الداخل معزولة بمواد بلاستيكية (نايلون), وراقب كيفية تخلصهم من بعض القفازات و (Overboots) التي كانا يرتديانها و كيفية تعقيمها و وضعها داخل أكياس بلاستيكية بغية عزلها.

بعيد مغادرتهم بادر فورا بالإتصال بي و وصف لي بدقة متناهية كيفية عمل المتطوعين, فذهلت للحرفية و الخبرة التي تعاملا فيها مع الآنسة طالب, حيث سرد لي بالتفصيل كيفية العزل و شكل الألبسة و الأقنعة التي اعتمداها و التي تضاهي المعايير العالمية (كان قد زودني ببعض الصور التي كان قد التقطها عنوة و التي تثبت بعض التفاصيل الدقيقة) لا بل في مكان ما ارتجل المسعفان تقنية لم نرها من قبل حيث ارتديا بدلتين من نوع (Tyvek) احداها فوق الأخرى و تخلصا من احداهما قبيل دخولهما سيارة الإسعاف مجددا تماما كما فعلا بالقفازات و ال (Overboots). هذا يفسر تقنيا أنهما و منعا لنقل الفيروس في حال و جوده قاما بالتخلص من كل الألبسة الواقية التي محتمل أن تكون ملوثة و وضعاها داخل أكياس بلاستيكية معقمة و بقيت البدلة التي لبساها في الأول كافية لحمايتهما.

هنا أسمح لنفسي بتقييم عملهما حسب خبرتي حيث اثبتا انهما محترفان من الطراز الرفيع و بإمكاني القول أنهما ابتكرا تقنية جديدة للوقاية من الفيروسات و الأوبئة.

لكم ترفع القبعات يا شابات و شباب الصليب الأحمر لأنكم لم تبخلوا علينا يوما لا في فترة الحرب و لا في الحوادث اليومية على الطرقات لا بل قدمتم شهداء على مذبح هذا الوطن الجريح. ففي هذه المرحلة ستقع عليكم مسؤولية كبيرة لكننا على يقين أنكم ستكونون كما دائما على قدر المسؤولية.

الكاتب : السيد أدولف عيد هو خبير في الأمن النووي متخصص بإدارة الحوادث النووية و من خريجي المعهد العالمي للأمن النووي, النمسا, كما هو حائز على درجة ماجستير من جامعة روما تور فيرغاتا في الوقاية من الأسلحة الكيميائية, البيولوجية, الراديولوجية و النووية (CBRN)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى