تحت المجهر

نفشل لأننا لا نحترف (بقلم عمر سعيد)

على الرغم من الحديث النبوي الشريف :
” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ”
غير أن هذا الحديث لم يلامس ضمير إلا من رحم رب محمد من شعوب المنطقة .

فالاحتراف في منطق شعوب هذه المنطقة يكاد يكون ملمحاً من الفهلوة والشطارة والتذاكي ليس أكثر ..

غير أن الاحتراف الذي  يعني تكامل العمل وتواصله المتقن والمقنن والمستمر والمتطور ، والذي تنتج عنه ضغوطات الاحتراف التي ينبغي اتقان فن التعاطي معها ، الأمر الذي يصدر عنه هوية العامل المتقن لعمله ، لم تبلغه كافة المهن التي يزاولها الناس ولو بأبسط حدود التدريب.

فالسائق يقود وفق شروط الشارع المفروضة وبدون أبسط قواعد الاحتراف ..

واللحام نجده يعلق ذبيحته بجانب حاوية النفايات ، والدم يسيل منها على هداه ..

وموظف المطعم يؤدي عمله بكل ما فيه من تجاوزات سواء بلحيته وسيجارته وشعره الطويل واظفاره غير المقلمة أو بتربيته الجوانية التي لم تصقل لأجل اتقان العمل  ..

وموظف الدائرة الرسمية يكدس الملفات فوق مكتبه بغير الأولوية والافضيلة والأقدمية ، ودون أن يطلع على أبسط معلومات الملف ، هذا إن لم يضيعه بين أكوام الورق المنسي في مكتبه ..

والمعلم الذي يغرس في طلابه التأفف والملل وكراهية مهنته ومن خلال كل ذلك كراهية مادته ..

والطبيب الذي يرتكب الاخطاء بلا مسؤولية ، نظرا لغياب المحاسبة ..
.
والمهندس اللا مسؤول عن أكثر من حصته المالية في المشروع ..

والسياسي الذي يحترف القسوة والكذب والسرقات .

والأحزاب التي نراها تنطلق ببرامج إنسانية تقدمية ألقة ، تنتهي بمعارك وصولية وانتهازية تنهك الناس بين تسويات الغرف السوداء والدم المراق .

والجندي الذي اختار العسكرية كمصدر رزق ليس اكثر ، تجده ، يرتكب من المخالفات ما لا يحصى .

حتى المؤسسات الدينية تُراكم بين العاملين فيها العديد من الموظفين غير العاملين وغير المنتجين الذين لا يتقنون إلا التوقيعين الصباحي والمسائي للدوام .

والكثير الكثير من ملامح اللا اتقان في العمل بدءًا من تربية الطفل في البيت ، إلى العلاقات الاجتماعية المشوبة بالكثير من الخلل ، وصولاً إلى سلم القيم الذي لا تلامسه احترافية الممارسة إلا خداعاً ، فهنا نطبق بعض القيم ظاهرياً ، لنتخلى عن بعضها في خلواتنا الخاصة ..

يرتبط تقدم الشعوب وتطورها بالاحتراف واتقان العمل كأسلوب حياة ، نمارسه في أبسط تفاصيل حياتنا اليومية ، ليصبح واقعاً معاشاً ، يمكننا من تجاوز كل المعيقات والموانع التي تحول بيننا وبين أهدافنا الفردية والجماعية..

فالمراكز المتقدمة في صفوف التنافس لا يحققها إلا المحترفون  ، والاحتراف لا يكون بغير التدريب اليومي الموجه والمراقب والخاضع للمتابعة والمساءلة ..

فليس كافياً لمن عمل لأشهر في محل حلويات ، أن يقوم بعدها بفتح محله الخاص ، ويدخل حقول المنافسة التي ستكون حتماً على حساب المذاق والجودة والنظافة وغيرها ..

فكل علم منفصل عن الحياة لا قيمة له .
وكل عمل منفصل عن الاتقان والاحتراف محكوم بالفشل ..

ولأننا نكسب علوماً لا نوظفها في حياتنا اليومية . ونمارس عملا لا علاقة له بالاتقان والاحتراف لغياب التدريب ، لا زلنا نتخبط ، ونراوح في مطارحنا منذ قرون ..

ولان جذر الكلمة ” احتراف ” هو حرف ، ولأن الحرف من أصغر مكونات الكلمة ، وغيابه يفقدها المعنى والوظيفة ؛ نرى ان الاحتراف هو احترام تفاصيل التفاصيل واتمامها على الوجه الذي يكسبها الثقة والتقدير والعراقة والاصالة والبصمة الخاصة والسمعة .

فالاحتراف هو قوانين علمية وأكاديمية ، ترتكز على استدامة التدريب واستمراريته وتواصله مهما بلغ التمكن من العمل دقته ، لأن الغد والمستقبل يحمل معه المستجدات والمتغيرات التي تفرض علينا تطوير خبراتنا ، وتدريبنا واعمالنا في كل يوم لتتوافق مع كل زمن وكل جيل .
فالخبرات ليست مجرد تراكم سنوات من العمل ، بل إنها كم لا يستهان به من ورشات التدريب ، والبرامج ، والمبادرات ، والتطوع ، والكفاءات ، والتكيف ، والإنجازات التي إن تتبعت دقيقها باغت كلها المتكامل كماً ونوعاً.

عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى