تحت المجهر

السيناريو الأقرب للحالة الإيرانية

وصل تردي الأوضاع في إيران إلى مستوى خطير للغاية، ولم يعد الأمر مجرد أزمة يمكن إدارتها بأساليب سياسية أو أمنية أو تقديم برامج حكومية اقتصادية لتخدير الشعب وتفريغ غضبه واستيائه، ولم يعد الأمر أيضا يتعلق بعقوبات اقتصادية تفرضها الولايات المتحدة كما يحاول السياسيون الإيرانيون إقناع الشعوب الإيرانية به، بل أن الأوضاع الراهنة لم تشهدها إيران منذ مجيء هذا النظام مطلقا، في حين أن كرسي الملالي كان على وشك سقوط أرجله الأربعة في عدة مراحل من عمره، آخرها بداية عام 2018 عندما ثارت معظم المدن الإيرانية ضد النظام وسياساته المدمرة داخليا وخارجيا.

وبين الفينة والأخرى، يعترف بعض المسؤولين الإيرانيين بخطورة الأوضاع الراهنة، ولكن دون أي تطرق لمستقبلها، وآخرهم الرئيس حسن روحاني الذي أكد في اجتماعه يوم السبت الماضي مع عدد من النشطاء السياسيين أن الأوضاع التي تمر بها البلاد حاليا بسبب الضغوطات والعقوبات الاقتصادية لم تشهدها إيران منذ ثورة 1979، وفي تصريحه هذا اعتراف بخطورة الأوضاع الراهنة التي أكد أنها أشد قساوة على الداخل الإيراني من سنوات الحرب الإيرانية العراقية، ما يعني أن مسببات الثورة ضد الملالي في الوقت الراهن أصبحت كثيرة ومتكاملة وكفيلة بإشعال انتفاضة تطيح بالنظام وكافة أزلامه ومؤسساته.

وبدخول عملية تصفير النفط الإيراني حيز التنفيذ، مع بوادر استجابة دولية لها، بالتزامن مع تصنيف الحرس الثوري ومؤسساته كمنظمة إرهابية يحظر أي تعاون معها، فضلا عن رفض أوروبا للإنذار الإيراني النهائي بخصوص مهلة الستين يوما، إضافة إلى تحركات عسكرية أميركية في الخليج العربي وأطراف إيران لمنع أي محاولات أو تهورات إيرانية لتهديد ممرات النفط العالمية، يتضح أن واشنطن ماضية قدما في محاصرة النظام الإيراني وتشديد الخناق عليه من كافة الاتجاهات، لتضعه أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: فإما التخلي عن تصدير الثورة ووقف التدخلات وإنهاء دعم الإرهاب وتغيير كافة السلوك الثوري الإيراني إلى سلوك دولة، وإما السقوط.

غير أن قبول الخيار الأول سيضع النظام الإيراني في مأزق جديد أمام شرعيته في الداخل، وبسقوط قناع العداء لأميركا ومقارعة الاستكبار ستهدم مصداقية الملالي أمام ليس فقط الشعوب الإيرانية بل كافة الشعوب العربية والإسلامية، إذ سيكون النظام الإيراني مطالبا بتقديم إجابات كافية حول جدوى تدخلاته في الخارج وإهداره مئات المليارات في مشروعاته الخارجية طوال الأربعين عاما الماضية، في حين أن الشعب الإيراني يعاني أزمات معيشية واقتصادية صعبة للغاية أحرمته السعادة والهناء والعيش بأمن وأمان، في ظل تدهور مستمر على كافة الأصعدة، ما يعني أن هذا الخيار أيضا سيؤدي في نهاية المطاف إلى غضب الشعوب الإيرانية وانتفاضتها مرة أخرى لا سيما بعد أن يتضح أن ما نسبته 70% من المشاكل التي تعاني منها الشعوب الإيرانية سببها الفساد المالي والاقتصادي والإداري المتجذر في مؤسسات الحكومة والنظام، والقائم على أساس شراء الولاء مقابل حفظ النظام.

ويؤكد مثل هذه الفرضية جملة من المؤشرات والدلالات، على رأسها: أولا: تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، خاصة بعد تصنيف الحرس الثوري الذي يسيطر على 70% من القطاعات الاقتصادية الإيرانية، كمنظمة إرهابية يمنع التعامل معها بأي حالة من الأحوال، وعمل واشنطن الجاد في تصفير صادرات النفط الإيراني الذي تعتبر موارده المالية شريان الخزينة الإيرانية والممول الرئيسي لمشاريع الحرس الثوري الإقليمية، ثانيا: اكتمال مسببات الثورة في الداخل الإيراني بعد ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 60% ومعدلات التضخم إلى نحو 50% والبطالة تعدت الــ30% في الكثير من المناطق والمدن الإيرانية، ومعدل الجرائم كالسرقة والنصب والاحتيال فضلا عن تعاطي المخدرات والإدمان والقتل وغيرها في حالة تزايد مستمر، ثالثا: تحضير أميركي مدعوم دوليا لهجوم عسكري على إيران إذا ما اختار قادة نظام الملالي الانتحار باللجوء إلى الحلول العسكرية لإغلاق مضيق هرمز أو تشكيل تهديد لأمن واستقرار المنطقة.

وقد بدا واضحا خلال الأيام القليلة الماضية ارتباك المسؤولين في النظام الإيراني بشكل واضح، وذلك بعد أن قامت الولايات المتحدة بعدة تحركات عسكرية منها إرسال حاملة الطائرات الأميركية يو إس إس أبراهام لينكولن، وسفينة هجومية برمائية وبطاريات صواريخ “باتريوت” إلى الشرق الأوسط لتعزيز قدرات حاملة طائرات وقاذفات من طراز “بي-52″، أُرسلت سابقا إلى منطقة الخليج العربي، وهو ما أسقط كافة حسابات النظام الإيراني بمحاولة ضرب إمدادات النفط العالمي كخطوة انتقامية من تصفير صادرات طهران النفطية، ما جعل أزلام النظام يلجأون إلى تهدئة الأوضاع بخداع الشعوب بعدم وجود أي خطر عسكري من قبل الولايات المتحدة، تخوفا من ثورة داخلية استباقية تسقط النظام الإيراني بدلا من ضربة عسكرية خارجية.

هذا التخوف دفع قادة النظام الإيراني إلى العمل على خلق سيناريو ثالث على أمل البقاء واجتناب السقوط، يكمن في الانتظار إلى حين رحيل ترامب أو الرهان على خلافات أميركية داخلية إذا ما نجح اللوبي الإيراني في إقناع شخصيات سياسية نافذة بفكرة رفض الحرب مع إيران، وأن نتائجها السلبية ستكون كارثية على المنطقة والعالم، غير أن واقع الحال في إيران، وما تنتجه العقوبات الأميركية من ضيق اقتصادي ومالي على النظام الإيراني لن يتيح له الانتظار لمدة عامين في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم، فضلا عن أن فرص ترامب بالفوز والبقاء في البيت الأبيض مرتفعة جدا، ولا وجود لأي بوادر لذهابه، ما يعني العودة إلى المربع والسيناريو الأقرب وهو السقوط.

مركز المزماة للدراسات والبحوث

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى