تحت المجهر

القوات تأسف لحالة التيار،

لطالما كانت ميزة المسيحيين هي في حيويتهم السياسية والإنقسام الحاد في الشارع، ويخطئ اليوم من يعتبر أن هذا الإنقسام هو نقيصة ويضرّ بمصلحة المسيحيين ودورهم ووجودهم، كما يظلم من يقول بأن لبنان يحترق فيما القوات والتيار يلتهيان في صراع مزمن من اجل السلطة…

كي لا تترسّخ هذه النظرية مهما كانت نوايا مطلقيها يجب وضع بعض النقاط على بعض الحروف وليس جميع النقاط. يمتد الصراع بين القوات والحالة العونية إلى أكثر من ثلاثين عاماً تخلله صراع عسكري وجودي، حاولت القوات تجنّبه بتقديم تنازلات عندما كانت في قمة جبروتها وجهوزيتها العسكرية دون أن تنفع تلك التنازلات في إبعاد كأس الصراع المرّ، وعندما كتبت على القوات خطى، مشتها…

بعد العام ٢٠٠٥ واجهت القوات نهج التيار الوطني الحرّ وحيدة وحذّرت من سلوكياته وتحالفاته وارتباطاته فيما كان الآخرون يخطبون ودّه أو يبتعدون عن شرّه في أحسن الأحوال وينظرون إلى صراع القوات والتيار على أنه صراع سلطوي واعتقدوا أن التعامل مع مصالح التيار أسهل من التعاطي مع مبدئية القوات ونزاهتها ونظرتها إلى بناء الدولة العادلة والقادرة، ولكنهم غفلوا عن الوحش الذي غذّوه حتى بدأ يأكل من رصيدهم ويقضم من حصصهم تحت ذريعة حقوق المسيحيين ليوزعها على أنصاره وبلغت به شهوة السلطة أن فرض نفسه على سائر الطوائف كتيار ثانٍ وثالث رغبة في الإستئثار وتناتش الحصص وسط محاذرة أولياء الشأن مواجهته من جهة ودعم الحزب الفارسي له، في هذا الوقت كانت القوات تتعرّض لمحاولات الحصار والعزل وما زالت…

القوات اللبنانية ليست حزب سلطة إلا بمقدار ما يسمح لها ذلك بممارسة نهجها المعاكس تماماً للنمط السائد وقد أظهرته في المرات القليلة نوعاً وكماً التي شاركت فيها في الحكومات، وفي نظرة سريعة يمكن ملاحظة أن القوات أيدت حكومات لم تشارك بها وعارضت حكومات شاركت فيها، ومنحت فترة سماح لحكومات وضعتها تحت الرقابة، وذلك ليس حباً بأشخاص بل وفقاً لنهج الحكم…

ليس سراً أن القوات حتى اليوم تتمتع بتأييد شعبي أكثر بكثير من التأييد غلى المستوى القيادي، لأن القوات تتكلم لغة الناس مهما كانت الظروف وتقف إلى جانبهم في السراء والضراء وتواجه وحيدة إذا اضطرها الأمر وتقدّم التنازلات الحزبية والشواهد كثيرة وتسببت في غضب وعتب حزبي في محطات كثيرة وتتشدّد في المحطات الوطنية، وهذا يُسقط صفة الصراع السلطوي عن مسيرتها…

على مقلب التيار، القوات لم تخلقه بل واجهته، قوة التيار ثلاثية الأبعاد، شعبية في صناديق الإقتراع، تحالفية مع السلاح غير الشرعي وانكفاء البعض عن مواجهته فعلياً…

الحالة التي وصل إليها التيار مؤسفة فعلاً، ونحن لسنا ممن يبنون وجودهم على أنقاض تيار ووطن، ولا نعتقد في لحظة بأننا قادرون على اختزال التمثيل المسيحي، وجلّ ما نطمح إليه هو استمرار المنافسة لصالح الخير العام الوطني ومنه تأتي مصلحة المسيحيين…

في الختام، قد تجد القوات اللبنانية نفسها معنية في إخراج مناصري التيار من حالة الإحباط والإبتعاد عن المشاركة بواجباتهم بسبب رعونة وفشل وجشع قادتهم، على أمل أن يعود التياريون إلى المنطق والصواب بعيداً عن التيار الذي انتهى ولم يبقَ إلا تحديد مراسم الدفن، وسيجدوننا ننافسهم لتقديم أفضل ما لدينا على أمل ان تنتقل هذه الحيوية إلى سائر الطوائف والأطياف.

ليبان صليبا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى