رأي حر

من يصفق اليوم يقتل غداً. (بقلم عمر سعيد)

جغرافيا تركيا المحكومة إسلامياً اليوم جذورها علمانية، لأن القواعد التي ثبتها أتاتورك هي الثابت الوحيد في تاريخ هذا البلد الحديث، والباقي كله متغير.
ولولا علمانية الدولة التركية، لما وصل أردوغان ولا حزبه إلى الحكم.
والواقع الذي سنشير إليه هو كما العالم في ضفتيه شرقاً وغرباً.

تحفظ الدول الغربية العلمانية حقوق الإنسان كاملة وفقاً لدساتيرها التي تكفل ذلك، وبغض النظر عن معتقده أو عرقه أو قوميته.

ذلك لأن النظم العلمانية محكومة بمنطق الحريات والتعددية الأحزاب.

تخيلوا الأمر مقلوباً، وأن دولة ذات نظام سياسي ديني إسلامي، هل سيسمح نظامها بالتعددية الحزبية وإن كانت من المكون نفسه، وهل ستسمح لحزب إسلامي بالمنافسة على السلطة؟
قطعاً مستحيل.

لأن سقف الحرية في المجتمعات الإسلامية منخفض جداً جداً، وفقاً لعوامل الترببة والتفكير والتطبيق.

فالإسلاميون لا يؤمنون أن فئة عدا فئتهم على حق، وباقي الفئات ضالة.
والنماذج تمتد من إيران، إلى السودان الذي فتك بالشعب مقابل ألا يتخلى الإسلاميون عن السلطة مهما ثبت فشلهم.
وما التفريغ الجغرافي لمناطق ما من تنوعها السكاني إلا واحد من أبشع ملامح الأحزاب الإسلامية إن حكمت، فتلك الضاحية الجنوبية في بيروت تفقد تلويناتها لصالح طائفة واحدة، وكذلك يحصل في العراق، وسوريا، وربما اليمن وفي كل مكان تجذرت فيه الأحزاب الإسلامية.
إذ يُنجز كل ذلك وفقغ لما يسمى بالتغيير المتواتر.

حيث تفتعل موجات عنف، تدفع بفئة من السكان المؤمنين باللاعنف إلى الرحيل.

تتبعها موجات تكفير وتطرف متبادل، تسمم العلاقات، وتهدد النسيج القيمي، فيرحل القسم الذي يخشى المجاهرة بقناعاته، مهما كانت بسيطة.
تليها موجات تغيير متعمد في العادات والسلوكيات، من تعدي على الحقوق العامة كالنظافة وموقف السيارة والرصيف وغيرها، وافتعال مناسبات دينية منفرة، واستحداث سلوكيات غير مألوفة، لترحل بعدها الفئة التي تربأ بنفسها عن الصراع لأجل بديهيات.

ثم تأتي موجة شراء العقار بأثمان تشجع على
مغادرة من تبقى من غير المرغوب ببقائهم.

وكل ذلك يحصل تحت سقف انتهاك الحقوق والحريات، وبتغطية من المصفقين للزعيم المقدس والتسبيح بحمده، إلى أن يستيقظ أولئك المصفقون على تغير هائل حصل فيهم من الداخل.

ليكتشفوا أنهم بلغوا عدائية، تحرمهم تحمل بعضهم البعض.
وبلغوا سلوكيات تجعلهم يبحثون من ورائها عن الإساءة لبعضهم البعض.
ثم يبلغون مرحلة بدأ الفتك ببعضهم البعض للتتخلص الفئة الناجية من الفئات الكافرة، لأن من يصفق اليوم يقتل غداً.

قبل الإسلام كانت المنطقة العربية تغص باليهود والمسيحيين خاصة السريان منهم وفي بلاد الشام تحديداً.
توهم المسلمون حينها أن نجاح رسالتهم يقوم على إقصاء كل من هو غير مسلم.
وفعلوا ذلك بقصد وبغير قصد.
وها هي النتيجة تظهر بعد ١٤٠٠ سنة، مسلمون يذبحون مسلمين.
سيقول البعض : “إنه من تحريض عالم الكفر عليهم”
ولن أتكلف الإجابة لأن العالم مليء بما يسكت تلك الأقوال.
وها هي المنطقة تبدأ باستعادة التعددية الدينية، من خلال إعادة بناء الكنائس والاعتراف بالدولة اليهودية، من مصر إلى الاردن فالإمارات و قطر وسلطنة عمان .
تلك الجغرافيا التي طردت وعبر التاريخ كل من هو غير مسلم، تسعى لاستعادة تنوعها الأساسي، مقابل جغرافيا عاشت حتى الأمس بفضل التنوع، وها هي قد بدأت تستبعد فئاتها بعضها البعض.
فالأمم ليست بتراكم قشور السنوات فوق جلود شعوب تحز فيها سياط الحكام، ولنتوقف عن التغني ببريق نجم على بعد قرون في سماواتنا الداكنة بالظلام والتعتيم.
لأن الحضارة التي لا تستطيع استحداث ذاتها بما يواكب الإنسانية، حتما سينتهي بها الحال إلى ما هو المنطقة فيه.

فأي حماقة فد ابتلينا فيها، وأي شغف يلتهم فينا العقل والقراءات المنطقية.
فهذا يقدس إله سنياً، وذاك يسبح إله شيعياً، وغيرهما يقدسه قصاباً يعتاش على شي اللحوم، والكل يكفر بالإنسان.
ولا نزال نصر على أن الحل ليس إلا في ما يدمرنا ومنذ قرون، وأن المشكلة في معاصينا، وفي مؤامرات الكفار علينا، لا في إصرارنا على ما نعتقد من أفكار.
فماذا ترانا كنا فاعلين لو كنا نملك قوة أمريكا أو الصين العسكرية والاقتصادية؟!
وماذا لو امتلكت إيران سلاحاً نووياً؟!
ما عادت المنطقة تحتمل كل هذه التجارب التي أفرغت الإنسان من الإنسان.
ليظل السؤال الأساسي:
كيف السبيل إلى الخروج من هذا كله؟

ملاحظة : لم تشهد مجتمعاتنا حزباً علمانياً واحداً. بل احزابا شمولية مثل الشيوعية التي أسقطتها شعوب الاتحاد السوفيتي بعد ٧٥ عاماً.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى