تحت المجهر

اطلوا النوافذ بالدماء (بقلم عمر سعيد)

 

غدًا في موعد صلاتنا عن راحة أجساد، ما تعبت من حمل هذا الوطن، اطلوا زجاج النوافذ بالدماء، ولتكن ليست أية دماء، بل فلتكن من دماء شهدائنا المنتظرين على الجراح، بخلطة تجمعونها من تراب قبور الأحبة، وبقايا قماش بزاتهم الزيتية المتعرقة قبل آخر طلقة، ورماد بخور تذكاراتهم في زوايا دور الأهل، وماء مصفى من رمال غطت جثث رالف وجو، ومن رافقهم على طريق الغوص في الحب والحريق.

وامزجوها بدموع البواكي، وبأوجاع الواقفين على أبواب مسؤول غافل لا يسمع، ولا يجيب.
ثم اجبلوها بأكف أمهات شهداء باقيات على قيد الصبر، قابضات على سبحات الرجاء، واطلوا بها نوافذ البيوت، البيوت اللبنانية.

وأقيموا عندها كل مساء، ليستدل بها الشهداء على بيوت تبحث عن طفولة، يكاد يطمسها غبار انهيار هذا الوطن.

اطلوا نوافذ البيوت بالدماء، لئلا نصير مقيمين في أرضنا بلا وطن.

اطلوها؛ لتلمع فوق طلائها أضواء سفن، قد تحمل العائدين إلى أحضان، تنتظرهم منذ سنين، ولتشر أصابعكم إلى ركائز وطن، لم تتزحزح منذ أكثر من ألفي عام.

اطلوها ببقايا الأمل، لأن آخر الآمال دماء من عرفوا أن عليهم الرحيل، لأجل من لم يدركوا بعد لمَ عليهم البقاء؟!

اطلوا نوافذ البيوت، لأنها آخر ما تبقى لنا من رايات، تلوح بالحب لأجل وطن؛ يختنق بالعويل والصراخ والشعارات الفارغة.

أطلوا النوافذ بدماء أولئك الذين استبدلوا حياتهم بحياتنا، ليبقوا ونبقى.
وما استبدلوها بالدواء والمازوت والبنزين المهرب والمحتكر ومنصات الدولار المفترسة.

اطلوا النوافذ، وقصوا على الأطفال:
حكاية أرجواني شواطئنا الجديد، يتفجر من شرايين حراس لا ينعسون، وإن سُجُوا في التراب.

اطلوا النوافذ، واكتبوا بدماء من “ما راحوا” على الأبواب، والجدران، وجذوع الأشجار، والصخور، وفوق كل مساحة صلوا فيها، عشقوها، ماتوا لأجلها.
ثم اقرعوا الأجراس للصلاة، وكبروا في المآذن: مقاومة مستمرة.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى