تحت المجهر

سمير جعجع الثابت الوحيد اللا متبدل (بقلم عمر سعيد)

وجدانك المشحون بالعاطفة والحزن على ولدك المعاق ، لن يقدم له ساقين ، تساعدانه على الوقوف في وجه صعوبات الحياة..

لكنك قد تقدم له البدائل بالإرادة والحكمة التي تجعله يرى من تمدده الملامس لسطح الأرض أكثر و أوضح من أولئك الذين ينظرون من فوق أجسادهم الشاهقة كلما جابوا المساحات ..

السنوات الإحدى عشرة التي قضاها جعجع في السجن ، لم تكن في وجدانه أقل وجعاً على نفسه وأسرته وحزبه من الألم الذي يكون في وجدان أب؛ ينظر إلى جسد ولده المعاق ، وهو عاجز عن الوقوف.

من منا يعلم كيف كان يقاتل هذا الرجل ليله الطويل في زنزانته الضيقة ؟
وكيف كان يتعامل مع الاحتمالات التي تحملها له عزلته خلف بابها، كلما سربت له معلومة أو إشارة أو خبر ؟

من منا يستطيع أن يتخيل مزاجه المشدود حد التوتر كلما خطر له خاطر ؟!

لقد قاوم الرجل ثِقَلَ الزمن الأسود وحيداً..
ووحيداً واجه محاولات المحققين للنفاذ إليه ..

لقد صلى وحيداً ، وبكى وحيداً ، وصمت وحيداً ، و مشى ليله الطويل الطويل وحيداً ، ونام دون أن يغفو وحيداً لسنوات ..

لم تكن سنواته خلف الجدران الرطبة السميكة ، تحت الأرض بقسوتها أهون من قسوة الشعور بالتمدد داخل قبر تحت أرض لا يعرف من يسد فوقها كل ثقوب الأمل التي يبحث عنها..

حتى أدرك أن من هم خلف ظلامهم بدونه ليسوا أفضل حال من حاله ، لذلك تخلى عن مطالب ساقيه بمساحات أوسع ، وسلالم تؤدي إلى النور ، وتخلى عن حاجات بصره لأفق أكثر امتداداً..

غير انه ما تخلى عن أعظم ما يمكن أن يقدمه لحزبه والرفاق : الصمود .

وأدرك أن الإرادة هي أصلب مداميك الصمود ، وهذا ما راح يسعى لتقديمه ..

لذلك جعل طول إقامته في الزنزانة منصته الحتمية لإعادة انطلاقته وانطلاقة حزبه بثبات صوب الوطن ..

ماذا لو أنه فقط بكى في سجنه ؟!
أو أنه اشتكى العجز والضعف وسوء المعاملة ؟!
ماذا لو أنه استسلم لأصوات القضاة والمحققين ، يكيلون إليه التهم؟!
أو أنه كرس حيله وجهده للإنهيار أمام كم المقالات التي تضج بها الصحف كل يوم ، وهي تتحدث عن قصة سقوطه ؟!

لم يكن الرجل يؤثث يومياته الباردة بكل تفاهات العاجزين الباحثين عن الهروب ، وكان يؤمن أن جوف ذاك الحوت سيتمزق عن حريته ولا ريب ..

هناك كان سمير جعجع يصنع سمير جعجع الذي يعرفه ، ويريده لنفسه وحزبه والتاريخ .
لذلك ظل الثابت الوحيد واللا متبدل المتفرد برؤاه ؛ التي تجعله اليوم وعلى الرغم من كل ما يحاك له وعليه اللبناني الأكثر ثقة بوطنه ونفسه ورفاقه وقراراته التي يتخذها.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى