تحت المجهر

إلى الطفل دانييل يونس / بقلم عمر سعيد

حبيبي دانييل..

يعذبني أن أكتب للطفل أنت، وأنا أعي أنك قد لا تستطيع قراءة ما كتبته، لكن عزائي أنك وبلا شك ستشعر بقلبك وعقلك ببعض الحب الذي يدفعني للكتابة لك.
حبيبي دانييل..
ذات يوم ولد طفل في موسم قَتْل، فوضعته أمه في قفص من قش ووهبته للنهر، فتكفل به الله وما خلاه لسواه، وصار نبيًّا.
وذات يوم ولد طفل وكادت أّمّه أن تهلك بسببه، فبعثه الله مؤذنا في الناس: إني أنا الحب.
كانت خطيئته أنه الحب والمحبة، فعلقوه على خشبة، ليستغفر لقاتليه:
” ربي اغفر لهم، فإنهم لا يعرفون ما يفعلون”
وإلى اليوم لا زال يؤذن في الناس حبًّا. وصار ربًا وفاديّا ومخلصا.

حبيبي دانييل..
فاعلم أنك ستكون نبيا، يبشر الذين يحبونك بالعطاء والسلام والحب.

حبيبي دانييل لن نتخلى عنك، ولن نتركك تنتظر وحيدًا عودة أهلك بالدواء المسروق والمخفي عنك وأمثالك.
ولن نكلك للحاجة والحرمان، بل سنكون جميعًا أهلك.
قد تقتل الحرب والظروف الاقتصادية فينا الرغيف، والعلاقات، والأشياء الكثيرة ومنها الجمال، لكنها لن تستطيع أن تقتل فينا كل الحب، سيظل بعضه يا ولدي، وبذاك البعض القليل الصغير سنبقى إلى جانبك.
لن نتركك للخوف، ولا لغيره.

وهنا ساخبرك يا صغيري أني كنت صغيرًا مثلك، وكان أبي يجلس، وقد راح يفرك جبينه بكفه، وقد أخذت أمي تقسم آخر رغيف في بيتنا بيننا نحن أبنائه التسعة.
كنت لا أفهم الحرمان إلا بمعدتي، كنت يومها أترك حصتي إلى إخوتي،
وإلى اليوم لا زلت أفعل، ولكم قيل: أني ضعيف!
أعدك يا حبيبي بأني سأصلي لأجلك، وسأقصد مار شربل لأجلك، وسأبكي لأجلك عند أقدام المخلص وربه ليكف عنك كل خوف وألم وحاجة للدواء.
لكني عدني فقط بأن تكبر وتقرأ رسالتي هذه، وأن تذكرني بخير إن كنتُ قد غادرتُ.
فأنت أجمل ما فينا نحن الضعفاء، لأنك أضعفنا، وأقسم لك إن الله يحب الضعفاء. وأنت أحبنا إليه.
فابقى بخير فنحن نحبك، وليس كالحب دواء.
أحبك.
عمر سعيد
ملاحظة: الطفل دانييل يعاني الصرع، وبات الدواء المنقطع يكلفه انتكاسات قاسية، وصحة، ومالًا وأحلامًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى